خالد منتصر
اندهشت لتصريح أحد ممثلى الشعب فى مجلس النواب أثناء مناقشة قانون التحرش وتغليظ عقوبته، فقد قال النائب محمد هاشم فى البرلمان: «لو أن المتحرش رجل فالمرأة من أسباب التحرش أيضاً، وعليها مراعاة سلوك السير فى الشوارع فى مجتمع شرقى، والحكومة مسئولة بشكل ما عن التحرش أيضاً، فوزارة التربية والتعليم لم تقم بالمطلوب منها لغرس القيم فى النشء، ووزارة الأوقاف لم تقدم النصيحة السليمة، ووزارة الثقافة الحاضرة الغائبة، ووزارة الإعلام تتحدث عن الخيال وتصدّر صورة البلطجى والمتحرش فى الأعمال المختلفة».
انتهى ما قاله سيادة النائب، ونشكر رئيس مجلس النواب على حذفه لتلك الكلمة بعد حالة الغضب والاعتراض من بعض النائبات، لكن المهم هل حُذفت تلك العبارة من ثقافة المجتمع؟ للأسف ما زال يؤمن الكثيرون بتلك الفكرة، فالقضية ليست قضية النائب المحترم، فهو مجرد فرد من عشرات الآلاف، ولا أريد أن أقول إنهم أكثر بكثير جداً، يؤمنون بأن البنت مجرد كتلة لحم مباحة مستباحة لكل جائع، هى حلوى لا بد أن تغطى من الذباب، هى سيارة ثمينة لا بد أن تضع عليها الغطاء وتخزنها فى الجراج، هى مجرد شىء، هى مفعول به، إنها ثقافة الاستعلاء الذكورية والتفوق التستوستيرونى، ثقافة الوصاية، ثقافة أن المرأة مصدر الغواية وشيطان الخطيئة، وهى مندوبة إبليس إذا أقبلت وإذا أدبرت، وأنها ما دامت لم تلبس باترونهم الطالبانى وكتالوجهم الداعشى، فهى قد أسقطت عن نفسها الحماية، وكأنها تعرض نفسها فى الشارع كما قال شيخ راحل شهير ربما يقودك انتقاده إلى تكفيرك وإخراجك من الملة واستباحة دمك.
المتحرش لديه «باكيدج» أفكار غُرست فيه وترعرعت وصارت لها جذور عميقة فى تربة المجتمع، يؤمن بأن هذه الأنثى التى تسير فى الشارع هو له حق فى تقويمها طبقاً لمنظومته الأخلاقية، يؤمن تمام الإيمان بأنها ملعونة إذا تنمّصت، زانية إذا تعطرت! كلامه السافل والوضيع والوقح الذى يقوله لها فى الشارع يأخذ به حسنات فى غزوة جهاده لإنقاذ هذا البلد وإدخاله فى فسطاط الإيمان، لمسته لجسدها يعتبرها حقه لأنها جارية أو سبيّة أو عاهرة، إنها فكرة النهى عن المنكر وثقافة المطوّع حامل الهراوة الذى يؤمن بأن السوط المعلق على جدار البيت صيانة للعفة وحفاظ على الشرف، ويؤمن أيضاً بأن ضربها بدون كسر ضلعها هو تأديب وتهذيب وإصلاح بل وحفاظ على كرامتها! متأكد تمام التأكد من انحياز الملائكة له إذا رفضت اغتصابه لها.
ما قاله النائب الفاضل هو قمة جبل الجليد، وملخص مدونة كاملة وقانون غاب وناب يستغرق مجلدات ومجلدات لتدوينه، المقهور فيه هو البنت، الضحية فيه هى المرأة التى تدفع الثمن الفادح، هى الأنثى، ونأتى نحن، وبكل هدوء وثقة، لنلوم الضحية ونبرر للثور الهائج الذى لا يستطيع - يا ولداه - التحكم فى غرائزه الملتاعة المتوهجة، وبدلاً من تهذيب هذا الهياج نقوم بالأسهل، وهو الوأد الحديث والمعاصر للبنت، فنصدر قانوناً برلمانياً بمنع ختان البنت جسدياً، ثم نروّج لختانها عقلياً بقانون سرى غير مكتوب هو أقوى من المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، أقترح عمل أبحاث فى أقسام النساء والولادة فى جامعاتنا لعمل تلقيح مجهرى لا ينتج إلا الذكور، ونلقى بالأجنّة الإناث فى البحر حتى يستريح المجتمع ويستطيع تحقيق كل إنجازاته التى عطلتها تاء التأنيث.
نقلا عن الوطن