هاني صبري - المحامي
أعاد الوضع الصحي للفنانة ياسمين عبد العزيز إلى الأذهان ملف الفنانين الذين عانوا من الإهمال والأخطاء الطبية، فمنهم من لقي حتفه بينما عانى آخرون من غيبوبة تامة، واضطر بعضهم لإجراء أكثر من عملية جراحية حتى عادوا لحياتهم الطبيعة.
وقد أعلن الفنان أحمد العوضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خضوع الفنانة ياسمين عبد العزيز لعملية جراحية مساء السبت، لاستئصال تكيس على المبيض، تعرضت الفنانة لخطأ طبي أثناء العملية، أدى لدخولها في غيبوبة تامة.
وسبق لفنانين وإعلاميين أن عانوا من الأخطاء الطبية والإهمال، مما تسبب بمعاناتهم جسديا ونفسيا، فقبل عدة أشهر تعرضت الإعلامية إيمان الحصري لوعكة صحية، ونتيجة لخطأ طبي حدث خلال عملية أجريت لها، تدهورت حالتها واضطرت للخضوع لعدد من العمليات، ولا تزال بالمستشفى.
كذلك تعرضت الفنانة فاطمة كشري إلى وعكة صحية شديدة أثرت عليها وعلى حركتها منذ شهرين، ونقلت على إثرها إلى المستشفى عقب خضوعها لعملية فتق ، وأثناء العملية تعرضت فاطمة لخطأ طبي نتج عن نسيان الطبيب لـ"شاش طبي" داخل بطنها، مما أدى لتدهور حالتها، وخضوعها للتدخل الجراحي من جديد.
واضطرت الفنانة حورية فرغلي لإجراء أكثر من عملية تجميل خلال الأعوام الماضية عقب سقوطها من حصان، إلى أن حدث لها خطأ طبي عرّض أنفها لكسر مضاعف، مما أدى لشعورها بصعوبة في التنفس. وغيرهم من الفنانين.
ورغم التطور الكبير الذي شهدته المستشفيات وأساليب العلاج، فإن الأخطاء الطبية لا تزال تقع، وهناك حالات من الإهمال الطبي عديدة ويجب مواجهة هذا الأمر بكل حزم.
حيث تعتبر جريمة الإهمال الطبى من الجرائم الخطيرة، التى تواجه مجتمعنا بسبب وجود أخطاء طبية أثناء عمل الطبيب ، الأمر الذى من الممكن أن يتسبب فى إصابة المريض بعاهة مستديمة أو يتسبب هذا الخطأ فى أن يودى بحياة المريض.
الأخطاء الطبية، تخضع للقواعد العامة في المسؤولية، متى وقع الخطأ الطبي الذي يتمثل في انحراف الطبيب عن الأصول العلمية والمهنية في علاج مريضه؛ سواء في صورة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة للقوانين والأنظمة، فإن هذا الخطأ يُرتب مسؤولية الطبيب الجنائية والمدنية نتيجة الضرر الذي ألحقه بالمريض ، وأن الخطأ في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لهذه الجرائم.
فالمسؤولية الطبية تقوم سواء أكان خطأ الطبيب جسيماً أم يسيراً. وإن أي درجة من درجات الخطأ تكفي لقيام المسؤولية الطبية، والمهم هو أن يثبت هذا الخطأ بشكل يقيني، فالطبيب يسأل عن أخطائه ولو كانت يسيرة فالخطأ اليسير قد يؤدي إلى نتائج فادحة والخطأ الجسيم قد يتم تدارك نتائجه ، فيكفي لقيام المسؤولية الطبية، بوقوع الخطأ الطبي أياً كانت درجته، فإن جسامة الخطأ تكون معتبرة في تحديد حجم المسؤولية المترتبة على الطبيب؛ فقد يؤدي خطأ الطبيب إلى وقوع جريمة إيذاء غير مقصود أو إيذاء مفضي إلى عاهة مستديمة أو جريمة قتل غير مقصود، وقد تبلغ الجسامة حد الجريمة المقصودة.
إنه من المقرر وفقاً لما استقرت عليه أحكام محكمة النقض أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية والمدنية متى توفر الضرر، بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، وأياً كانت درجة جسامة هذا الخطأ.
والعلاقة بين الطبيب والمريض، هي علاقة عقدية، والمسؤولية عقدية، وهي تحتم على الطبيب بذل العناية اليقظة التي تمليها أصول المهنة، وقد يصل التزام الطبيب إلى التزام بتحقيق النتيجة المتفق عليها مع المريض، وليس فقط بذل العناية اليقظة، وذلك في بعض أنواع الجراحات منها التجميلية.
وإذا كان الطبيب عاملاً في مستشفى فإن المسؤولية المدنية والحالة تلك تكون تضامنية تجاه الطبيب والمستشفى، ما يبرز أهمية التأمين في مجال الأخطاء الطبية والتعويض عن الضرر، ولكن المسؤولية الجنائية تبقى قائمة على الطبيب، لأن الخطأ الطبي يرتب مسؤولية جنائية ومدنية.
وتحديد معيار الخطأ الطبي، يختلف بين الطبيب العام والطبيب الأخصائي، حيث يضاف إلى الأخير معيار شخصي يتمثل في مستواه المهني، للحكم على مسلكه كأخصائي، ويقاس على أقرانه من ذوي الاختصاص، إلى جانب المعيار الموضوعي المتمثل في اتباع الأصول العلمية والمهنية المستقرة.
إن واجب الطبيب في بذل العناية مناطه ما يقدمه طبيب يقظ، من أواسط زملائه علماً ودراية، في الظروف المحيطة به أثناء ممارسة عمله، مع مراعاة تقاليد المهنة والأصول العلمية الثابتة، وإنَّ انحراف الطبيب عن أداء واجبه وإخلاله بالتزامه المحدد يعد خطأ يستوجب مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق بالمريض ، ما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدي إلى ارتباطه بالضرر ارتباط السبب بالمسبب وتوافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر والنتيجة.
وتصدى قانون العقوبات لجريمة الإهمال الطبى.
حيث نصت المادة 244 من قانون العقوبات ، على أنه من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين.
جدير بالذكر أننا في حاجة ماسه إلي تنظيم قانوني للمسؤولية الطبية، يعالج مختلف جوانبها الموضوعية والإجرائية؛ وبخاصة طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض، ومفهوم الخطأ الطبي، ومعياره، ومراحله في التطبيق من حيث التشخيص والعلاج والجراحة، والقواعد الخاصة بإثبات الخطأ الطبي، والتأمين على المسؤولية الطبية، وسجل الأخطاء الطبية ..إلخ.
حيث إن غياب التشريع الخاص بالمسؤولية الطبية، من شأنه أن يفتح المجال للكثير من الاجتهاد، وإنْ شئت قُل العشوائية واللامبالاة ، والدوران في حلقات مفرغة، وقد نصبح أمام بيئة خصبة لاستمرار الأخطاء الطيبة في ظل غياب المحاسبة.
وبناء عليه نناشد الحكومة ومجلس النواب الموقر بمشروع قانون للمسؤولية الطبية للمحافظة علي حياة المواطنين وحمايتهم من الأخطاء الطيبة.