ارنست وليم
قضية الطبيب المصري الشاب واكتشاف جين الجلطة - نموذجا
الحقيقة انا حاسس ان هذا الباحث الشاب فعلا مجتهد بس في مبالغة من القنوات العربية التي نقلت الخبر حول الابحاث وتقيمها كأنها ليست مجرد ابحاث في بدايتها بل صار كشف مبين ، وثانيا هو في فريق عمل وليس مكتشف هذا الجين المسئول عن الجلطة ان ثبتت فعلا انه كذلك .
كما حدث قبلا في قنوات تليفزيونية تتم استضافة مخترعين فشوش وعيال ثانوي وكلام زغلولي على سيخ كفتة اللواء معاطي حتى لم يعد احد يصدق ان عندنا اعلام ولا علم ولا اختراع ولا حتى كفتة .
ولكن في التعليقات شيء عجيب وليحتملني اصدقائى في ذلك
هذا الزهو والفخر لحد التيه انه مصري ، وتحيا مصر ... وكأن الاعتقاد ان المصريين لمؤاخذة فنريد ان نثبت لنا اننا لسنا لمؤاخذة وهذا هو الدليل مع تكرار الحديث عن مجدي يعقوب ونجيب محفوظ وزويل حتى لا نصدق ابدا اننا لمؤاخذة .. يا عزيزي نحن ككل شعوب الارض منا العبقري ومنا الحمار لمؤاخذة .
نفس الشيء يقال في التركيز على كون هذه العبقرية الخالصة من الصعيد وهذا دليل على ان الصعيد اصل الحضارة والعبقرية او العكس الذي نريد ان نثبت ان هذا غير صحيح بالمرة ... وعلى الراس بطحة .
اعرف ان ذلك من باب السخرية وجميعنا يقبل ها النوع من السخرية ، ولكن اشعر احيانا ان المسافة بين ترديد الشائع من باب الهزل وعمق الاحساس بالفخر الذي يخفي شعور شوفيني – افتخار غير مبرر حد العنصرية - احيانا ، او دونوي – شعور بانعدام القيمة ، اي الذي يترجم لفخر مرضي على وزن انا مش قصير قزعة انا طويل واهبل - ايضا موجود فعلا . وتختلط المسافة بينهم ويصبح الجد هزل والهزل جد ويصير المشهد برمته عبثيا ، والا-معنى سيد الموقف .
واخر يقول ان هذا وان كان مصري إلا انه في بحثه وانجازه امريكي ينسب لامريكا – الحقيقة هو منتج مشترك لان لو لم يتعلم شيء في مصر لما صار في امريكا طبيبا لأنه ليس من مواليد امريكا ولا درس الطب في امريكا – وصحيح ان مستوى التعليم عموما في مصر بوجه عام يمكن ان نقول فيه الكثير خاصة في الكليات النظرية وفي التعليم العالي وكل مجالات البحث العلمي . هذا ايضا لا يجعل من امريكا دولة العلم في كل مراحل التعليم فالتعليم الاعدادي والثانوي فيها مسخرة ولكنها تهتم بالبحث العلمي وتعرف كيف تستفيد من النوابغ ومحط جذب للمتميزين والمجتهدين من كل العالم .
وأخر لم يرى في الرجل إلا دينه – وهذا صحيح من حيث ان في مصر ومع الصحوة زاد التمييز ولكن ليس إلى الحد الذي يمكننا الحديث فيه عن اضطهاد منظم وعيش غير امن للمسيحيين بمصر في كل مكان وزمان وبدون تمييز ، تهويل قد يؤثر على النفسيات الضعيفة والبيئات المنعزلة الكئيبة فيؤدي للتقوقع في بئر المظلومية لتخرج اجيال ملبوسة بالخوف من ظلها ، متمسكنة حد الاستماتة في اثبات مظلوميتها ... المبالغة في كل امر وتصديقه يخنق كل امل يشرق في قلب كل جيل جديد رغم انف الماضي مهما كان ثقيل ، ويشوه النفسية . وانه مجال خصب يتاجر به من يريدون الانعزال عن الدولة لصالح الكنيسة ، المؤسسة التي تسعى جاهدة منذ زمن بعيد سحيق على ان تصبح هي الوحيدة ليست فقط الروحية بل الاجتماعية والسياسة والناطقة الرسمية عن الاقباط كطائفة ، ملة ، جماعة موحدة ، وليست افراد او وجماعات اصحاب توجهات وميول ومصالح وطبقات مختلفة متنوعة تنوع المجتمع الذي تعيش فيه ويعيش فيها فاعلة فيه ومنفعلة به .
هذا الشعور ، او العمل على جعله حقيقة واقعيه بكل طريقة ممكنة وان خالفت الواقع ، يفسد القضية برمتها والتهويل يضيع الحقوق لفقدان المصداقية.
قتلتنا المبالغات عندما نصدقها ونخرجها من اطارها الكاريكاتيري الساخر لنصورها على انها حقيقة فنخلط الخيال بالواقع فلا نصل لشيء ، ويصير الكلام قليل القيمة حد الانعدام .