طارق الشناوى
مرت الذكرى السابعة لسعيد صالح وهى تحمل خبرا سعيدا، فيلم تسجيلى تخرجه روجينا باسالى عن حياته.
هذا الفنان الكبير فى دُنيا الفن نموذج صارخ يؤكد أن الموهبة وحدها لا تكفى، دائما تظل الأشياء الأخرى هى التى تحمى المبدع، وتضمن له سنوات من التألق، المصريون والعرب فى مجال الكوميديا مع مطلع السبعينيات تعلقوا بنجمين: عادل إمام وسعيد صالح، اقتسما الحب، ولكن لماذا كان عادل نصيبه مع مرور السنوات أكبر؟ إجابتى لأنه الأكثر دراية بعقول وليس فقط قلوب الناس، وأيضا بما تريده الدولة.
فى عالمنا العربى مهما تحدثنا عن حرية التعبير، وحق المبدع، هناك دائما خط أحمر، لا يمكن تجاوزه، كما أن الدولة لديها اعتقاد راسخ بأنها شريكة فى النجاح، لا يحق لأى فنان الخروج عن الخط، عادل أدرك مع مسرحية «مدرسة المشاغبين» أنه وسعيد قادمان، ولكنه أراد ربما لا شعوريا أن يُصبح الزعيم، برغم أن اسم سعيد كان وقتها يسبق عادل، وأيضا أجر سعيد أكبر، ولهذا أصر عادل أن يستحوذ على دور «بهجت الأباصيرى»، بينما سعيد المرشح الأول للدور وافق على أن يلعب دور «مرسى الزناتي»، تفصيلة دقيقة، ولكن لا تنس تكرار كلمة «الزعيم» فى حوار المسرحية، حتى ولو بنوع من السخرية، إنه زعيم «أونطة»، وهكذا خرجا من المسرحية متعادلين فى النجاح الجماهيرى، مع احتفاظ عادل بلقب الزعيم، الذى لازمه حتى الآن أربعة عقود من الزمان، عادل كان موقنا أن الزمن القادم له، سعيد صالح لم يدقق كثيرا فيما تخبئه الأيام، فقط يرى خطوته الحالية، ولا تعنيه الخطوة القادمة للأمام أم للخلف، سعيد حريص فقط على اقتناص اللحظة، وهكذا، وعن طيب خاطر، تجده يوافق على أداء دور صديق البطل، لتصبح صورته الذهنية على الشاشة أنه فقط الصديق، بينما عادل يحرص على أن يتصدر المشهد، صار عادل منذ مطلع الثمانينيات هو النجم الجماهيرى الأول فى شباك التذاكر، بينما سعيد يبدد طاقته ومع انتشار ما كان يُعرف وقتها بأفلام «المقاولات»، وهى أفلام قليلة التكلفة والقيمة، مصنوعة لتواكب فى ذلك الحين انتشار «الفيديو كاسيت» تُعلب على أشرطة وتوزع (خليجيا)، أفلام تتبخر فى لحظات من الذاكرة، من الممكن تصوير فيلمين أو ثلاثة كل شهر، لم يتوقف سعيد ليسأل عن جدواها، بينما كان أجر عادل يقفز عشرات المرات، والجماهير تضعه فى مكانة استثنائية (نجم النجوم)، عادل قدم عددا من الأفلام تقع فى إطار السينما التجارية، أى أنها لا تحمل طموحا إبداعيا خاصا، إلا أنه حتى فى تلك الحدود حافظ على الحد الأدنى ألا يشارك فى أفلام متواضعة إنتاجيا أو فكريا.
سعيد انتقد السلطة السياسية فى مسرحياته، بل وسخر منها وخرج عن النص وتجاوز المسموح، عادل انتقد وخرج على النص، إلا أنه لم يتجاوز المسموح، أفلامه التى أطلق عليها سياسية، ترديد زكى لما تريده بالضبط الدولة، عادل حرص أن يتواجد مثلا فى عدد من المؤتمرات التى كان يعقدها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، مؤيدا للحزب الوطنى الحاكم، صوتا مؤيدا للنظام فى كل مواقفه، حتى فى توريث الحكم لجمال.
سعيد صالح أراد فقط أن يقول كلمته ويعلن قناعاته، ودفع (الفاتورة)، ترك لنا ضحكة لاتزال تتوهج فى مشاعرنا، نجم كوميدى فطرى، موهبة بلا ضفاف، أصابته سهام غاضبة، لأنه لم يضع حراسا على الضفاف!!
نقلا عن المصرى اليوم