بقلم- جرجس بشرى
الثورات الشعبية في حياة الشعوب ما هي إلا نتاج طبيعي لشيوع الفساد والاستبداد والطغيان وعدم الشرعية من قبل السلطات الحاكمة بأي دولة. وتندلع هذه الثورات لكي تعبر، وبصورة واضحة، عن رفض الشعوب لكافة الممارسات غير الشرعية التي تحدث بحقه، والمطالبة بنظام جديد حاكم يستمد شرعيته من صيانة حقوق كافة مكونات الشعب بلا استثناء. والرئيس أو السلطات الحاكمة في أي دولة تفقد شرعيتها على الفور في حالة التقاعس عن حماية وصيانة وكفالة هذه الحقوق، ورعايتها رعاية كاملة.

والحق أقول أن ثورة 25 يناير 2011 بدأت ثورة شعبية خالصة، تعبر عن رفض شعبي عارم للممارسات اللاإنسانية التي كان يقوم بها نظام الرئيس السابق "محمد حسني مبارك" تجاه الشعب المصري بكافة مكوناته.. بدأت الثورة شعبية، ولكنها سرعان ما اُخترقت من قبل جماعة الإخوان المسلمين في محاولة للقفز عليها واستثمارها على حساب دماء شهدائنا المصريين للوصول إلى الحكم، في مؤامرة كبرى لإسقاط "مصر" العظيمة على يد الجماعة باسم الدين، والدين براء من تاريخهم الإرهابي والدموي المقيت. وغير خافٍ على أحد أن اللواء "عمر سليمان"، رئيس المخابرات المصرية السابق، كان قد أوضح وقت ثورة 25 يناير أنه يتم جمع معلومات للوصول إلى الجهة المتورطة فيما أسماه بــ"المؤامرة على مصر"، بعد حرق أقسام الشرطة وفتح السجون والتعدي على الممتلكات العامة، في الوقت الذي اتهم فيه الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك" بكل صراحة جماعة الإخوان المسلمين بالضلوع في أعمال العنف التي استهدفت ثورة مصر السلمية!!.

وبعد وصول الرئيس الإسلامي "محمد مرسي" لحكم البلاد، وبصورة غير شرعية وبمباركة أمريكية، تم اغتيال "عمر سليمان"! وتصدت الجماعة والرئيس "محمد مرسي" للصحف والأقلام التي تحاول كشف فساد هذه الجماعة وحجم مؤامرتها على "مصر"، وأخيرًا ظهرت على الفيس بوك وبعض مواقع التواصل الاجتماعي والصحف دعوات للمطالبة بمليونيات لإسقاط الرئيس الإخواني "محمد مرسي" وحكومته  يوم 24 أغسطس الجاري؛ لرفض أخونة الدولة المصرية، أعقب هذه الدعوات تهديد ووعيد من قبل الجماعة وأنصارها من بعض الشيوخ للمتظاهرين السلميين لإسقاط الرئيس "محمد مرسي"، لدرجة أن وصلت البجاحة ببعض الشيوخ إلى الإفتاء بقتل المتظاهرين السلميين العزل، ومقاومتهم، بل وصل الأمر بأحد الشيوخ، وهو الشيخ "هاشم إسلام"، أن طالب علانية عبر مقطع تم بثه على اليوتيوب وبعض البرامج الإعلامية والمواقع، قال فيه: "إن الذين سيخرجون للتظاهر يوم 24 أغسطس ضد الرئيس محمد مرسي خوارج، فقاتلوهم، وإن قتلوكم فاقتلوهم، وإن قتلتموهم فلا دية لهم"!!.

العجيب أن هذا الشيخ أفتى بقتل المتظاهرين وسط صمت حكومي ورئاسي، ولم يُقدّم للمحاكمة!! وهذا ما يؤكد تربص الحكومة نفسها والجماعة بالمتظاهرين لإسقاط الرئيس "محمد مرسي".

ولقد وصل الأمر أن بعض التيارات والأحزاب السياسية المخترقة إخوانيًا أعلنت عن عدم مشاركتها في هذه التظاهرة!!!.

والسؤال هنا: هل سيقمع الإخوان المسلمون وأنصارهم وبعض القوى المتعاونة معهم على المستوى المحلي والدولي المتظاهرين السلميين العزل والذين سيخرجون غدًا الجمعة "24 أغسطس" في محاولة منهم لقمع الثورة في مهدها، بعد الحروب النفسية السافرة التي استهدفت التظاهرة والذين ينتوون التظاهر غدًا ضد الإخوان؟ وقبل أن أجيب عن هذا التساؤل، أؤكد أن الثورة التي ستندلع غدًا لإسقاط الرئيس "مرسي" هي تظاهرة سلمية بحتة، وأن أي استهداف للثورة والثوار السلميين العزل يوم 24 أغسطس سيكون من قبل الجماعة والمتعاونين معها، بل ومن ميليشياتها العسكرية، ومن المتطرفين المتاجرين بالدين، وهو ما يستلزم وبالضرورة حماية هذه التظاهرة المستهدفة، وإلا سيكون الرئيس نفسه وحكومته والجهات المتعاونة معه متورطين في جريمة قتل الثوار.

أما من جهة قمع الإخوان للتظاهرة، فأنه سيتخذ عدة أشكال، أهمها التعتيم الإعلامي المتعمد على التظاهرة، وعدم الحيادية في كشف مطالب الثوار السلميين على الملأ وإبرازها للرأي العام، وكذلك استخدام النظام الإخواني لعدد من وسائل الإعلام التابعة له لتشويه وتسفيه وتقزيم حجم الثورة، وربما يصل الحد إلى مطالبة بعض وسائل الإعلام التابعة للجماعة بالتحريض ضد الثوار السلميين على اعتبار أنهم خارجين على الدين ويجب صدهم وقتلهم والضرب على يدهم، وربما نلحظ وسائل إعلام أمريكية تابعة للرئيس الأمريكي أو مدعومة من الإدارة الأمريكية التي دعمت الرئيس "محمد مرسي" للوصول لحكم "مصر" تعمل على تشويه صورة الثوار وعدم إبراز مطالبهم بكل شفافية وحيادية، وإظهار الأصوات الرافضة للثورة!! كما أنه من المتوقع- وفقًا للتربص بالثوار- أن تتم محاولات لترويع الصحفيين ووسائل الإعلام، ومحاولة تهديد وخطف بعضهم، وربما يلجأ الإخوان أنفسهم إلى استخدام البلطجية في حرق مقرات الجماعة لإلصاق التهمة بالثوار، مع أن المطالبين بالثورة أكدوا أنها "سلمية"، وربما تندلع تظاهرات مؤيدة لـ"مرسي" من أنصار الجماعة.

إن نجاح هذه الثورة يتطلب أولًا من كل مصري مخلص لوطنه أن يستشعر خطورة هذه الجماعة على "مصر" وصورة الإسلام السمح في العالم، وأن يستشعر أن أخونة الدولة ما هو إلا بداية حقيقية ومؤشر خطر ونذير شؤم ينبئ بمقربة تمرير مخطط تقسيم "مصر"، وأن الإخوان سوف لا يقدمون شيئًا لمصر سوى الخراب والدمار والقمع، ليس للأقليات فقط بل لكل مكونات الشعب المصري. فمعروف أن أي تيار ديني يستخدم الديمقراطية كستار للوصول للحكم، ومتى وصل للحكم فأنه سيقمع كل معارضيه، وبلا هوادة.

وليعلم الإخوان أن إرادة الشعب المصري العظيم تعلو فوق كل إرادة، وأن الشعب وحده له السلطة في خلع رؤساء وتنصيب آخرين مكانهم، مهما كانوا محصنين!.

فنجاح هذه التظاهرة الشعبية المصرية التي ستنطلق غدًا مرهون وفي المقام الأول بحجم وعدد المشاركين فيها، وإصرارهم على مطالبهم الوطنية، والتي تتمثل في إسقاط الرئيس، وحل الجماعة، ومحاكمة قتلة ثوار 25 يناير، ودستور مدني يصون كافة أطياف الشعب المصري، ورفض التدخل الأمريكي السافر في الشأن المصري. وإن لم ينزل كل مصري وطني للشارع رافضًا حكم الجماعة لـ"مصر" بدعم أمريكي، فإنه سيكون مشاركًا في إعطاء المبرر القوي لتوطيد حكم الجماعة وترسيخه فعليًا على أرض الواقع. فهذه التظاهرة بالذات أشبه بسيف ذي حدين، فإذا فشلت فأن الرئيس نفسه وجماعة الإخوان سيتاجرون بها لتوطيد أنفسهم في الحكم، ويقولون للعالم: إن حجم المعارضين لحكم الإخوان ضئيل ولا أثر له.

إنني أطالب كل مصري حر أن ينزل غدًا مشاركًا في هذه التظاهرة قبل أن تخرب "مصر" ويكون خرابها عظيمًا، وإلا فلا تبكون فيما بعد على ما ستجنونه على يد هذه الجماعة.