هاني لبيب
هل من الطبيعى الموقف الذى اتخذته روسيا من أزمة سد النهضة؟ وما المأمول منهم بالشكل الذى كان يتوقعه الرأى العام المصرى، الذى أصابته دهشة بسبب ذلك الموقف؟
تاريخيًا، العلاقات المصرية مع الاتحاد السوفيتى بدأت قبل ثورة يوليو 52، وتوطدت فى مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر حيث تواجد فى مصر الآلاف من الخبراء الروس فى كافة المجالات.. خاصة فى بناء السد العالى. وسرعان ما توترت العلاقات الثنائية فى بداية مرحلة الرئيس أنور السادات حتى تم طرد الخبراء الروس من مصر، وتراجع الدعم الروسى بالسلاح لمصر قبل حرب 73، والميل إلى المعسكر الغربى. ثم عادت العلاقات مرة ثانية مع مرحلة الرئيس حسنى مبارك وتفكك الاتحاد السوفيتى، ومع أحداث 25 يناير أصدرت روسيا تصريحات حذرة، وكيّفت التعامل مع المتغيرات المصرية بشكل دبلوماسى وبروتوكولى، وهنأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مرسى بعد الوصول إلى الحكم.
ومع ثورة 30 يونيو العظيمة، أصدرت روسيا بيانًا ساندت فيه إرادة الشعب المصرى، ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم.. بدأت صفحة جديدة فى العلاقات المصرية- الروسية، وصلت إلى درجة توقيع عقد محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء.
أما عن الإطار العام الذى يحكم العلاقات المصرية- الروسية، فيمكن أن نحدده كالتالى:
أولًا: من الواضح أن هناك نظرة من الريبة والتشكك من النظام الروسى لمصر، وهو الأمر الذى يعود إلى طرد الخبراء الروس، والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، ورعاية الأخيرة اتفاقية سلام مع إسرائيل، ودعم الجهاد الأفغانى ضدهم فى سنوات السبعينيات. وهو الأمر الذى يفسر العديد من المواقف الروسية مع مصر.
ثانيًا: التقارب بين مصر وروسيا ما قبل ثورة 30 يونيو.. حكمته علاقات وتحالفات استراتيجية قصيرة الأمد طبقًا لظروف فرضتها العلاقات الدولية بسبب الحرب الباردة، أما بعد 30 يونيو فقد حكمته توازنات مختلفة وجديدة فى تفاعل السياسة المصرية مع العلاقات الدولية، ورفض التبعية والاستقطاب والتحالفات المرتكزة على العداء بين الدول.
ثالثًا: شجع البعض توجهات روسيا للتقارب مع مصر خلال فترة توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد الإطاحة بمحمد مرسى من منطلق إحلال روسيا حليفًا استراتيجيًا بديلًا عن أمريكا، خاصة فى ظل توتر العلاقات الروسية- الغربية مع شمال البحر المتوسط من جهة، ومحاولات روسيا توطيد وجودها جنوب «المتوسط»، والقيام بدور رئيسى فى الملفين السورى والليبى من جهة أخرى.
رابعًا: بغض النظر عن صحة أو خطأ ما يتردد من عدم تجاوب مصر مع روسيا، ورفض منحها وجودًا استراتيجيًا فى مياهها الإقليمية على ساحل البحر المتوسط، فهى فكرة تؤكد ثبات السياسة المصرية فى الحفاظ على الاستقلالية والسيادة الوطنية على الحدود المصرية حسب الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية الحاكمة.
خامسًا: قام النظام المصرى بعد ثورة 30 يونيو ضمن توجهاته الجديدة ببناء تحالفات سياسية جديدة لا تقتصر على دولة أو أخرى بشكل حصرى مثلما كان يحدث فى عهود مضت. وما ترتب على ذلك من تنوع مصادر التسليح حسب الاحتياج والكفاءة بما يتناسب مع احتياجاتنا الحقيقية، سواء من الدول الشرقية أو الغربية، وهو ما تواكب أيضًا مع فتح أبواب لإنشاء مناطق صناعية استثمارية عملاقة.
نقطة ومن أول السطر..
دولة 30 يونيو أقرت نظامها السياسى الجديد المستند إلى بناء تحالفات وعلاقات إيجابية.. تراعى مصالح كافة الدول، بعيدًا عن الاستقطاب والانحياز، ودون التنازل عن ثوابت المصالح المصرية.