سليمان شفيق
في ذكرى فض الاعتصامات الاجرامية ، رابعة والنهضة ، نتذكر ماذا فعل الإخوان من تخريب في المنيا بعد إنهاء الاعتصامات .

حول تلك الأحداث التي وقعت يوم الأربعاء الدامى 14 أغسطس 2013، أصدر الأنبا مكاريوس، الأسقف العام لإيبارشية المنيا وأبو قرقاص للأقباط الأرثوذكس، كتابا يحمل عنوان: «رحيق الاستشهاد»، قدمه قداسة البابا تواضروس الثانى قائلا: «هذه صفحات للتاريخ نسجلها وما زالت الأحداث الدامية ماثلة أمامنا: كوطن وككنيسة وكمجتمع.. نسجلها بصدق شهادة لكل العالم وكيف قدم أقباط مصر صورة مضيئة عن معانى الوطنية والأخوة والمواطنة وكيف طبقوا الوصية المسيحية بصورة أذهلت العالم والمصريين.. إننا نحبكم أيها المعتدون.. ونسامحكم.. ونغفر لكم ونصلى من أجلكم وسلامة حياتكم.. ومبارك شعبى مصر».

يضم الكتاب الوثائقى ثلاثة فصول، الأول: أبواب الجحيم لن تقوى عليها، ويضم الأماكن والأحداث من قبل الإرهابيين في سوهاج والمنشاة، وأسيوط، وأبنوب والفتح، والقوصية ومير، ودير مواس، والمنيا وأبو قرقاص، وسمالوط، وبنى مزار،ومغاغة، والفيوم، والجيزة، وأطفيح، وشمال الجيزة، 6 أكتوبر وأوسيم، وشمال سيناء، والقاهرة، والإسكندرية، وبيانات الكنيسة المركزية والبيانات المحلية، أما الفصل الثانى فيشمل: المقالات التى صدرت إبان هذه الأحداث، والفصل الثالث: الملاحق، ويضم قائمة بالكنائس والمنشآت المسيحية التى تعرضت للاعتداءت والتدمير، وقائمة تضم ممتلكات المسيحيين التى تعرضت للاعتداء.

ورصد الكتاب عدد الكنائس التى تم حرقها وتدميرها بالكامل والتي وصلت إلى 36 كنيسة ومنشأة مسيحية، في حين تم حرق وتدمير 16 كنيسة ومنشأة بشكل متوسط، و8 بشكل جزئى، كما تم نهب وسلب 4 كنائس ومنشآت مسيحية، وبلغ عدد الخسائر في ممتلكات الأقباط الخاصة 421، كما جرح وأصيب وقتل العشرات، ومنهم من تم التمثيل بجثته مثل إسكندر طوس بدلجا بالمنيا.

قدم الأنبا مكاريوس لتلك الشهادة قائلا: «تعرضت الكنيسة لهجمة شرسة من المتشددين الإسلاميين، واستهدفت كنائس جميع الكنائس، ومؤسساتها إضافة إلى المساكن والمتاجر، في ذلك اليوم تعرضت حياة جميع أقباط مصر للخطر، وتوقع كل قبطى أن الموت قاب قوسين أو أدنى منه، وكذلك توقعوا فقدان كل ممتلكاتهم العامة والخاصة، وبينما كانوا يسمعون ويقرأون عن عصور الاضطهاد والاستشهاد، فقد عاشوا هذه الخبرة، وكان من نتائج ذلك سلوك المسيحيين بشكل يمجد الله ويعكس محبتهم للوطن ونبذهم للعنف، لم يرفعوا عصا أو يرفعوا حجرا في وجة المعتدين، وهكذا تأكد للجميع أنة لا أسلحة في كنائسهم كما ادعى البعض عليهم، بل تجاوزوا الأزمة وشجعوا أولادهم وعادوا إلى كنائسهم المحترقة يصلون فيها لأجل الذين أحرقوها، طالبين من الرب أن يغفر لهم..» وأضاف «نال الأقباط الكثير من التقدير والتكريم.. وذاق الأقباط طعم الاستشهاد والشهادة للمسيح، واختبروا معانى أعمق للكنيسة".

ويختتم الأسقف: «عاشت مصر وعاشت الكنيسة منارة للحب والتسامح وشاهدة لله والمجتمع»، تلك هى شهادة الأسقف الثائر.. الوطنى الذى يذكرنا بالآباء المؤسسين الشهداء، وأساقفة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، ورغم الارهاب الدموي ، لكن الأقباط يعتبرون أن كل ذلك «ثمن بسيط للحرية» كما قال قداسة البابا تواضروس الثانى.. وما إضافة البابا من أن " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن ".. وتعيش بيننا تلك المقولة مثل مقولة البابا شنودة الثالث:" مصر ليست وطنا نعيش فية بل وطن يعيش فينا".

احتفل الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا هذا العام 2021، بعيد ميلاده الـ63 والعيد الـ43 لرهبنته والـ17 لأسقفيته، هذا الاسقف المعروف بمواقفه القوية ضد جماعة الإخوان الإرهابية قبل وبعد فترة حكمهم المشئومة لمصر.

وبسبب ذلك، حاولت جماعات من طرف الإخوان اغتياله، وفى 30 سبتمبر 2013، أصدرت مطرانية المنيا وأبوقرقاص بيانا، حول محاولة اغتيال الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا أثناء وجوده بقرية «السريو»، حيث قالت: «في السابعة من صباح اليوم وأثناء توجه الأنبا مكاريوس، الأسقف العام للمنيا وأبوقرقاص، لتقديم واجب العزاء في المرحوم «كريم سمير لمعي»، والذى قتله الإرهابيون في عزبة «السريو» التابعة لقرية جريس، مركز أبوقرقاص، تعرّض هو ومن معه لإطلاق نار كثيف من قبل بعض الإرهابيين الذين كانوا يترقبون لحظة وصوله، ولم يتوقفوا عن إطلاق النار حتى غادر الأسقف ومن معه القرية بعد ساعة ونصف».

ولم يتوقف الأنبا مكاريوس عن التصدى لجماعات الإرهاب طوال فترة الإخوان وبعدها، كما أن المنيا شهدت دائما تماهيا بين الأحداث الكبرى والإيبارشية، مثلما حدث بعد إنهاء اعتصامات النهضة ورابعة انتقم الإخوان من الأقباط لتأييدهم الرئيس عبدالفتاح السيسي وحرقوا ونهبوا كنائس الإيبارشية وممتلكات الأقباط.

لكن يظل الأنبا مكاريوس هو الوحيد الذى استمر في إيبارشية المنيا وأبوقرقاص في ظل أعقد مراحل مر بها الوطن والإيبارشية، وعاصر ثورتى 25 يناير و30 يونيو، كما عاصر خمسة رؤساء: مبارك والمجلس العسكرى ومرسى وعدلى منصور والسيسي، وتسعة محافظين للمنيا: فؤاد سعد الدين، وأحمد ضياء الدين، وسمير سلام، وسراج الدين الروبي، وصلاح زيادة، وطارق نصر، وعصام بديوي، وقاسم حسين، وأسامة القاضي.

وكانت المنيا في بعض الفترات إمارة للإرهاب، وشهدت في تلك الفترة «61» توترا طائفيا وإرهابيا، أكثرها أثناء حكم الإخوان، وتزايدت الخدمة في تلك المرحلة، وأنشأ مدرستين وعشرات الحضانات، وأربعة ملاجئ ودار كفيفات، وجمعية أبناء الملوك الأهلية ومركز أغابى الصحي، ومستشفيات الرجاء بالفكرية وسان مارك بالمنيا، وتضاعفت كنائس الإيبارشية ثلاث مرات، وعدد الكهنة ثلاث مرات.

حكمة البابا شنودة
وتعلم مكاريوس من حكمة البابا شنودة حينما عمل سكرتيرا له قبل انتقاله إلى المنيا، لتتم سيامته فيما بعد أسقفا على كنائس المنيا، في 31 مايو عام 2004، سبعة عشر عاما من النضال الروحى والثقافى والتنموي، كراع ومعلم وأب أسقف، يجلس مع فقراء شعبه على الأرض، ويفوت على الأرض تصلى وتصبح كنائس، تحمل ما لا يتحمله أسقف، خاصة بعد الحرب التى شنها الإخوان على كنائس مصر والمنيا بعد فض الاعتصامات الإرهابية في رابعة والنهضة.

معلم عظيم
والأنبا مكاريوس معلم عظيم وأب أسقف، ويمتلك روح راهب وعقل عالم وقلب فلاح، يعلم الفرق بين طوبة وبرمهات، ويتحسب الشمس في بشنس ورياح أمشير، راهب من عمق برية شهيت، قادم الينا من القرن الرابع للقرن الحادى والعشرين يحمل كل روح الأصالة وكل عمق المعاصرة، فك شفرة المنيا روحيا وتنمويا وأمنيا بشكل غير مسبوق، راهب لكنك تشعر بأنه رجل دولة أكثر من كثير جلسوا على كراسى الوزارة، من «المستوزرين» الأقباط، تجاوزت ثقافته العلوم الكنسية والدينية فلقب بـ«أديب الكنيسة،» لما له من القصص والكتب، لذلك بعد جلوس قداسة البابا تواضروس الثاني، في نوفمبر 2011، صار الأنبا مكاريوس مشرفًا على إصدار مجلة الكرازة.

ويظل الانبا مكاريوس قيمة روحية ورمز وطني ومفكر تنويري .