سحر الجعارة
البعض لا يتعلم أن «الرياضة» أخلاق أسمى من كل التصنيفات العنصرية والرجعية، لا يدرك أن الجنسية المصرية للبطلة «فريال أشرف عبدالعزيز»، الفائزة بالميدالية الذهبية فى الكاراتيه بأولمبياد طوكيو 2021، تتجاوز كل المزايدات على الملبس والاختلاط والسفر دون محرم.. وهذا يقودنا إلى المناخ السياسى والاجتماعى الذى نشأت فيه ابنة الاثنين وعشرين ربيعاً.

المناخ السياسى يوفر بيئة حاضنة للنساء، يخاطبهن السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بـ«عظيمات مصر»، وبفضل الإرادة السياسية الداعمة وترجمة حقوق المرأة الدستورية إلى قوانين واستراتيجيات وخطط وبرامج تنفيذية ارتفع تمثيل المرأة بالبرلمان المصرى إلى 28%، وبالمجالس المحلية القادمة إلى 25٪، وضاعف رئيس الجمهورية تعيينات المرأة بمجلس الشيوخ، هذا بخلاف حضور المرأة فى القضاء.

المؤكد أن «فريال» لم تجد حكماً على النساء على أساس الزى، ولا سمعت عبارات جارحة مثل «صاحبات الكعب العالى» و«كاتبات الأظافر الطويلة».. لقد تعلمت معنى «الكفاءة» والأداء بغضّ النظر عن «النوع» فهذا هو الدرس الذى يتسلل ليسكن عقول شبابنا، وقطعاً رأت رئيس الجمهورية يحتضن المواهب المتنوعة ويشجعها فى مؤتمرات الشباب.

وأدركت أن الرئيس يراهن على المرأة، لأنها الشريك الأول فى حربه على الإرهاب، فهى مَن تربى وتمنح الشاب حصانة ضد التطرف وتغرس فيه الانتماء للوطن.. وهى من تخوض معه معركة التنمية الاقتصادية وتتحمل تبعات خطوات الإصلاح الاقتصادى المؤلمة.

لو فكرت «فريال» لمرة واحدة كيف أسافر إلى طوكيو بمفردى؟.. أو ترددت: حرام أم حلال أن يدربنى رجل؟.. ما شكل صورى وأنا أؤدى تلك الحركات العنيفة؟.. لو تذبذبت إرادتها لما دخلت سجلّ البطولات، فالبطولة هنا أن تتحدى مجتمعاً غارقاً فى فوضى التحريم، يئن تحت وطأة التحرش، مجتمع مدجّج بفتاوى تحسب مقدار الحلال والحرام بالسنتيمتر فوق شعرها، ويعلق بفتاوى متخلفة على تفوقها.. ويحاول اختطاف انتصارها من المصريين!

حطمت «فريال» هذه الغيوم الرجعية التى تحتل سماءنا بالضربة القاضية، أثبتت بجدارة أنها تستطيع أن تجمع عشاق مصر بكل أطيافهم الفكرية ورغم اختلافهم.. لتنتصر الأنوثة على كل عناصر الضعف التى تشدنا للخلف أو لأسفل!

وكان للإعلامى المتميز «أحمد سالم» رأى مختلف، فكتب على الفيس بوك: «التنويرى فرحان فى الوهابى عشان المرأة بتلعب رياضات عنيفة وتفوقت على الرجل فى الميداليات رغم أنه أساساً ضد الحجاب اللى ما منعش المرأة من الوصول للقمة.. والوهابى فرحان فى التنويرى عشان اللى كسبوا محجبات مش سافرات رغم أنه أصلاً ضد الاختلاط ولبس البنطلون للمرأة وإتيانها بحركات تشف وتصف.. والمصرى فرحان أن علم بلده بيرفرف فى الأولمبياد والسلام الوطنى مجلجل فى اليابان وكله على كله ولما تشوفه قل له»!

وكان ردى عليه: «تصنيف غير حقيقى لأن المفروض إنك محسوب على التيار الليبرالى.. ولا أنا ولا أنت ضد الحجاب! نحن وتيار التنوير ضد الفاشية الدينية، وثورة 30 يونيو كانت أهم استفتاء شعبى على رفض الشعب المصرى لفرض الوصاية الدينية والحكم باسم الدين. هذا يعنى ببساطة أن نمط حياة المصريين يلتقى بالفكر التنويرى وينبذ العنصرية والتصنيف بناء على الزى.. وأنت صنّفت الفكر قياساً على الطرحة يا صديقى»!

لقد أغلقت «حفيدة الملكات» أبواب العنصرية والتمييز على أساس «النوع أو الدين أو العرق».. ولن تغلقها الفتاوى الظلامية ولا الاستخفاف بالتنوير مرة ثانية.
نقلا عن الوطن