د. جهاد عودة
تم صدور تشريع جديد لأمن المعلومات بهدف متابعة الأنشطة الخارجية "الضارة" وسط اشتعال حرب البيانات مع واشنطن. حيث مررت الصين قانوناً يحكم قبضتها على بيانات عمالقة التكنولوجيا . والصراع الان حول بكين من يضخ استثمارات اكثر كثافه في البنية التحتية للمعلومات للاستحواذ على ثلث البيانات العالمية بحلول 2025 وتجاوز أمريكا. وكانت أعلى هيئة تشريعية في الصين تصدر قانوناً لأمن البيانات من شأنه تعزيز سيطرة بكين على المعلومات الرقمية، وسط حملة على شركات التكنولوجيا العملاقة المحلية، وخلافات مع الولايات المتحدة بشأن الوصول للأسواق. أقرَّت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني القانون ، بحسب التلفزيون المركزي الصيني، ولم يتم الكشف عن النص الكامل للقانون النهائي بعد، ودعا مشروع قانون سابق إلى إنشاء نظام فئوي وهرمي للبيانات، وآليات تقييم المخاطر. حثَّ مشروع القانون على إجراء مراجعات للأمن القومي للتعامل مع البيانات، ونصَّ على وجوب "متابعة الأنشطة الخارجية الضارة من أجل المسؤولية القانونية". قالت كارولين بيج، المحامية المتخصصة في شؤون الملكية الفكرية والتكنولوجيا بشركة" دي إل ايه بيبر"في هونغ كونغ، إنَّ القانون يمثِّل "جانباً مهماً أخر في عملية التنظيم الشامل لحماية البيانات بالصين". ستظلُّ الشركات بحاجة إلى انتظار الإرشادات والمعايير الفنية بشأن الإجراءات العملية التي يتعيَّن عليها تطبيقها بهدف الامتثال، وفقاً لِـ "بيج"، التي أضافت أنَّ القانون الجديد "يظل إطارَ امتثال معقَّد ومرهق بشكل متزايد - للشركات الدولية لتصفُّحه أو استكشافه". يسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ للسيطرة على كمٍّ هائلٍ من المعلومات التي تنتجها شركات مثل "علي بابا"، و"تنسنت هولدنغز"، في إطار جهود أوسع لوضع الصين في مكانة رائدة في مجال البيانات الضخمة. تضخُّ بكين الأموال في مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية الأخرى لجعل البيانات محرِّكاً اقتصادياً وطنياً، والمساعدة في تعزيز شرعية الحزب الشيوعي.
نما الاقتصاد الرقمي الصيني بشكل أسرع بكثير من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، وفقاً للأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتتوقَّع شركة " أي دي سي" لمشاريع أبحاث السوق، أنْ تستحوذ الصين على حوالي ثلث البيانات العالمية بحلول عام 2025، بزيادة 60 % عن الولايات المتحدة. من المتوقَّع أن يوفِّر قانون أمن البيانات إطاراً واسعاً للقواعد المستقبلية بشأن خدمات الإنترنت، من أجل وضع قيود وتسهيل تتبُّع البيانات ذات القيمة لصالح الأمن القومي. قد يكون من بين هذه المبادئ التوجيهية، كيفية تخزين أنواع معينة من البيانات ومعالجتها محلياً، ومتطلَّبات للشركات تهدف لتتبُّع المعلومات التي تمتلكها، والإبلاغ عنها، كما يقوم المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بصياغة تشريع لحماية المعلومات الشخصية، والمتوقَّع اعتماده في وقت لاحق من 2021. تسير المناقشات بالشكل المتوازي في كلٍّ من الصين والولايات المتحدة، فقد دعا المشرِّعون إلى تفكيك عمالقة الإنترنت، مثل "فيسبوك"، و"ألفابيت"، وكذلك في أوروبا، فقد أعطى المنظِّمون الأولوية لإجراءات مكافحة الاحتكار، ومنح المستخدمين مزيداً من التحكُّم في البيانات.
وجَّه الرئيس الأمريكي جو بايدن ، بإجراء مراجعة أمنية لتطبيقات البرامج الأجنبية، بعد إلغاء الحظر الذي فرضته إدارة ترمب على تطبيقات "تيك توك"، و "ويتشات" المملوكة للصين، الذي واجه معارضة في المحاكم الأمريكية. ركَّزت شركات التكنولوجيا العملاقة في الصين، مثل " علي بابا"، و" تنسنت"، مثل نظرائها في الولايات المتحدة، على استغلال بيانات المستخدم لتحسين مجموعة موسَّعة من الخدمات الرقمية، مما أدى إلى نشوب احتكارات طبيعية، وأعطى المنصات ثروة وسلطة هائلة تفتح أيضاً الباب أمام ممارسات إساءة الاستخدام. وأعلن "شي" عن نيَّته ملاحقة "المنصات" التي تجمع البيانات لإنشاء احتكارات، والسيطرة على الشركات المنافسة الأصغر حجماً. أدى هذا التوجه إلى شنِّ حملة على قطاع التكنولوجيا بالصين، فقد فرض المنظِّمون غرامة قياسية على مجموعة "علي بابا" بقيمة 2.8 مليار دولار، بسبب إساءة استخدام الهيمنة على السوق، ومنح العشرات من شركات الإنترنت الكبرى الأخرى شهراً لتصحيح الممارسات المناهضة للمنافسة.
هذا وقد أوقفت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية ، ردًا على حملة بكين على الصناعة الخاصة ، العروض العامة الأولية للشركات الصينية حتى تعزز الإفصاح عن المخاطر التي يتعرض لها المساهمون. قال رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات ، غاري جينسلر ، إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الصينية ، بما في ذلك إعلانها عن مراجعات أمنية معززة للشركات التي تسعى لإدراج شركات أجنبية ، "ذات صلة بالمستثمرين الأمريكيين". وقال إنه طلب من موظفي SEC السعي للحصول على إفصاحات إضافية من الشركات الصينية قبل التوقيع على بيانات التسجيل لبيع الأسهم. وقال جينسلر في بيان يوم الجمعة "أعتقد أن مثل هذه الإفصاحات ضرورية لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة وهي في صميم تفويض لجنة الأوراق المالية والبورصات لحماية المستثمرين في أسواق رأس المال الأمريكية." أدت حملة الصين الادوقراطيه ، بما في ذلك منع مجموعة من شركات التعليم الخاص من جني الأرباح ، إلى عمليات بيع دراماتيكية في الأسهم حيث يعيد المستثمرون تقييم المدى الذي ستذهب إليه الحكومة في تشديد قبضتها على الاقتصاد. تجاوزت الخسائر في أسهم التكنولوجيا والتعليم الصينية تريليون دولار منذ فبراير 2021 .
وفي الوقت نفسه ، واجهت هيئة الأوراق المالية والبورصات ضغوطًا شديدة من كابيتول هيل لزيادة التدقيق في الشركات الصينية حيث انخفضت أسهم شركة ديدي جلوبال بعد الاكتتاب العام في الولايات المتحدة هذا الشهر. بعد الإدراج مباشرة ، أعلنت الصين أنها تجري مراجعة أمنية وتقييد شركة مشاركة الركوب من إضافة عملاء جدد. حث المشرعون الأمريكيون لجنة الأوراق المالية والبورصات على التحقيق مع ديدي لمعرفة ما إذا كانت الشركة تعرف الخطوات التي تدرسها الصين وفشلت في الكشف عن هذه المخاطر للمستثمرين الأمريكيين. كان إدراج الشركات الصينية في نيويورك مصدرًا مربحًا للإيرادات لبنوك وول ستريت التي تضمن الصفقات. هذا العام هو بالفعل ثاني أفضل عام مسجل لمثل هذه القوائم ، حيث جمعت الشركات ما لا يقل عن 15.7 مليار دولار - أكثر من المبلغ الإجمالي في عام 2020 ، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبيرج. لكن الصين اقترحت قواعد جديدة في وقت سابق من هذا الشهر تتطلب أن تخضع جميع الشركات التي تسعى للإدراج في الدول الأجنبية تقريبًا لمراجعة الأمن السيبراني ، وهي خطوة من شأنها تعزيز رقابتها بشكل كبير. لقد ألقت هذه القبضة المشددة وجعًا في خطط إدراج العديد من الشركات الناشئة الصينية ، التي توافقت على الولايات المتحدة بسبب أسواقها المالية الأعمق ، وعمليات الإدراج الأكثر انسيابية وقاعدة المستثمرين الأوسع.
من بين ضحايا الحملة الاوتقراطيه شركة Hello Inc. الصينية العملاقة لمشاركة الدراجات ، والتي قالت في وقت سابق من هذا الأسبوع إنها ألغت رسميًا خططًا للاكتتاب العام في الولايات المتحدة. Hello مدعومة من قطب التكنولوجيا الصيني Jack Ma’s Ant Group Inc. في بيانه ، أثار جينسلر مخاوف خاصة بشأن ما يسمى بالكيانات ذات الاهتمامات المتغيرة ، أو VIEs ، التي تستخدمها الشركات الصينية بشكل شائع للإدراج في الولايات المتحدة. وقال إن المستثمرين الأمريكيين قد لا يدركون أنهم في الواقع يشترون أسهم الشركات الوهمية - التي يوجد مقرها غالبًا في جزر كايمان - التي تحافظ على اتفاقيات الخدمة مع الشركات الصينية ، بدلاً من شراء حصص مباشرة في الشركات الصينية نفسها.
وصار من المتعين على الشركات أيضًا الكشف عن أن الإجراءات المستقبلية التي تتخذها الحكومة الصينية "يمكن أن تؤثر بشكل كبير" على أدائها المالي. ومن بين القضايا الأخرى التي قال إنه يجب الكشف عنها:
1- ما إذا كانت الشركة المشغلة أو المُصدر قد رُفضت الإذن من السلطات الصينية لبيع الأسهم في البورصات الأمريكية.
2- يمكن شطب هذه الشركات لفشلها في الامتثال للقانون الأمريكي الذي يتطلب من الشركات السماح للمنظمين الأمريكيين بفحص عمليات تدقيقها.
3- معلومات مالية مفصلة حتى يتمكن المستثمرون من فهم العلاقة المالية بين VIE والمُصدر.
حيث تم طلب بشكل منفصل من مسؤولي هيئة الأوراق المالية والبورصات إجراء مراجعات مستهدفة للملفات المقدمة من الشركات التي لديها عمليات مهمة في الصين. (التحديثات مع مطالب الإفصاح عن هيئة الأوراق المالية والبورصات ، بدءًا من الفقرة التاسعة) - بمساعدة كريستال تسي وجوليا فيوريتي وستيف ديكسون.
وبرغم إضافة أغنى 10 أشخاص في العالم 209 مليار دولار إلى صافي ثروتهم في النصف الأول من عام 2021، فقد تقلَّصت ثروة أغنى رجال الأعمال الصينيين في مؤشر "بلومبرغ" للأثرياء بمقدار 16 مليار دولار مجتمعين، وهبطت أسهم شركاتهم الرئيسية بنسبة 13% في المتوسط خلال الفترة نفسها، وهي المرة الأولى منذ ست سنوات على الأقل التي تسجِّل أسهمهم انخفاضات، عندما تكون سوق الأسهم الصينية الأوسع في حالة صعود. وانخفض سهم "ديدي" بنسبة 14% منذ ظهوره الأول في 30 يونيو في بورصة نيويورك، مما شطب حوالي 800 مليون دولار من ثروة مؤسسي الشركة. خلف هذه الخسائر حملة متصاعدة منذ نوفمبر، حينما أُجبرت مجموعة "أنت غروب" التابعة لـ"ما" على سحب طرحها الأولي للجمهور في اللحظة الأخيرة. ويشدِّد صانعو السياسة اللوائح التنظيمية الخاصة ببعض أهم جوانب أكبر اقتصاد في آسيا، وذلك بدءاً من الخدمات المالية إلى منصات الإنترنت والبيانات التي تدعم معظم الشركات الكبرى في الصين الحديثة. وفي أحدث هجمة، كشف المنظِّمون عن مسوَّدة قواعد جديدة ، من شأنها أن تشترط على جميع الشركات المحلية تقريباً الخضوع لمراجعة أمن سيبراني قبل إدراجها في أيِّ بلد أجنبي. تتنوع دوافع بكين خلف الحملة القمعية، وتشمل مخاوف بشأن السلوك المناهض للمنافسة في قطاع التكنولوجيا، والمخاطر على الاستقرار المالي من منصات الإقراض الخاضعة لتنظيمات هزيلة، والانتشار السريع للمعلومات الشخصية الحساسة في أيدي الشركات الكبيرة. لكنْ هناك اتجاه خفي آخر في العديد من أحدث المبادرات الحكومية، وهو رغبة ليست سرية لكبح سلطة أباطرة الأعمال في الصين، الذين امتلك بعضهم قدراً هائلاً من التأثير على الاقتصاد البالغة قيمته 14 تريليون دولار. ويصف مسؤول حكومي مطَّلع على تفكير القيادة الأمر بأنَّه رغبة من بكين في أن تمنع المليارديرات من أن يصبحوا قوة لها نفس ثقل الائتلافات التجارية، والتي تديرها العائلات، وتهيمن على اقتصاد كوريا الجنوبية، والعديد من مجالاتها السياسية.
وما يزيد الصين إصراراً هي المخاوف المتنامية بين العامة بشأن تفاقم عدم المساواة، وفي خطاب رئيسي بشأن خططه الاقتصادية في أكتوبر 2020، أقرَّ الرئيس شي جين بينغ أنَّ عملية التنمية في الدولة كانت "غير متوازنة". وقال، إنَّ "الرخاء المشترك" ينبغي أن يكون الهدف النهائي. والنتيجة هي حقبة جديدة لأصحاب المليارات في البلاد والمستثمرين الذين يدعمونهم، وولت الأيام التي كان فيها كبار رجال الأعمال أمثال "ما" يستطيعون بثقة ثني القواعد لزيادة نمو شركاتهم، وتحدي المصالح الراسخة للبنوك المملوكة للدولة. وأصبحت الشخصيات العامة المهمة -التي كان ينظر إليها مراراً على أنَّها أصل لمؤسسي شركات التكنولوجيا- تبدو مثل عائق، وأصبح دليل فاحشي الثراء الصينيين الجديد يطالبهم بالمزيد من الإذعان إلى الحزب الشيوعي، والمزيد من التبرعات، والمزيد من التركيز على رفاهية الموظفين العاديين حتى إذا أضرَّ ذلك بصافي أرباحهم. وقال آلان زيمان، عملاق العقارات الذي تخلى عن جواز سفره الكندي ليصبح مواطناً صينياً في 2008: "بعض شركات التكنولوجيا أصبحت تجذب الكثير من الاهتمام"، وأضاف- بعد وقت قصير من حضور احتفال الذكرى المئوية للحزب الشيوعي في بكين في 1 يوليو- أنَّ أحد الدروس الكبيرة المستفادة من الحملة هي: "لا تصبح أكبر من الحكومة". بغضِّ النظر عن "ديدي"، يبدو أنَّ الرسالة وصلت عبر "ما"، الذي انتقد المنظِّمين الماليين الصينيين في آخر خطاب علني له قبل التعليق المفاجئ للاكتتاب العام لشركة "أنت"، ثم لم يعاود الظهور منذ ذلك الحين سوى بضع مرات في مناسبات مصممة بعناية.
وقال إريك شيفر، المدير التنفيذي في "باتريارك أورغانيزاشن" (Patriarch Organization)، وهي شركة ملكية خاصة، ومقرُّها لوس أنجلوس، إنَّ البيئة الجديدة ستغيّر جوهر قطاع التكنولوجيا في الصين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ المستثمرين سيصبحون أكثر حذراً عند تمويل رواد الأعمال الذين قد ينتهي بهم الأمر في مسار تصادمي مع بكين. كذلك استهدف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، طبقة المليارديرات، وطالب بزيادة الضرائب على الأثرياء ووقَّع أمراً تنفيذياً يوم الجمعة الماضي، يهدف إلى إضعاف هيمنة أكبر الشركات الأمريكية، وتشابهت هذه الخطوة مع حملة مكافحة الاحتكار الجارية في الصين، التي وقع في شركها الشركات العملاقة بما في ذلك مجموعة "علي بابا"، ومنافستها الأكبر "تينسنت هولدينجز". وتقول أنجيلا تشانغ، مديرة مركز القانون الصيني في جامعة هونغ كونغ، ومؤلِّفة كتاب "استثنائية مكافحة الاحتكار الصينية" (Chinese Antitrust Exceptionalism)، إنَّ أحد الاختلافات الرئيسية هو أنَّ السلطات الصينية، غير المقيدة بضوابط وتوازنات النمط الغربي، يمكنها أن تتصرَّف بقوة أكبر من نظيراتها في الولايات المتحدة. وقام "زوكربيرغ" بالركوب المرح للوح الهيدروفويل بعد أيام قليلة فقط من رفض أحد القضاة دعويين قضائيتين احتكاريتين ضد شركة "فيسبوك" رفعتهما الحكومة الأمريكية وائتلاف من الولايات. وقالت تشانغ: "في حالة الصين يتأرجح البندول بسرعة كبيرة". وتمتلك بكين أدوات متنوعة لكبح المليارديرات بما في ذلك الحجز في الحالات الأكثر تطرفاً، واستُخدمت عملية تأديب داخلية لأعضاء الحزب، يطلق عليها "شوانغي" (shuanggui) ، مع بعض رجال الأعمال في الماضي، كما تعدُّ التحقيقات من قبل هيئات مكافحة الاحتكار والأمن السيبراني وغيرها من الجهات التنظيمية طرقاً أكثر شيوعاً للتأثير على سلوك عملاقة التكنولوجيا، وقالت "تشانغ"، إنَّ الحكومة تستخدم أيضاً طرقاً "ناعمة"، مثل الحملات على وسائل الإعلام الحكومية.