حمدي رزق
فوق خيال كل صناع السينما الأمريكية، مشهد «الهروب الكبير»، الفرار عبر مطار «كابول» في أفغانستان، كلٌّ ينفذ بجلده ولو متعلقًا بعجلات طائرة تحمله إلى المجهول، ترك كل شىء بيته وأولاده وماضيه وحاضره ومستقبله، ينسحب عليه وصف قرآنى بليغ: «يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه».
سيظل عالقًا بضمير الإنسانية، سيقف التاريخ الإنسانى طويلًا أمام هذا المشهد الحزين، وسيسجله فصلًا مروعًا من فصول «لعبة الأمم الأمريكية»، وكيف تدهس مخططاتها القاسية شعبًا بأكمله وتضع رقاب الضعفاء في أيادٍ لا ترحم، وبالسوابق في جز الرقاب يُعرفون.
كل العواصم (عرب وعجم وبلاد تركب الأفيال) هرعت لإجلاء مواطنيها وتأمين حيواتهم، وتركوا ملايين الضعفاء يُعمل فيهم الجلاد سيف حقده الأسود، دون أن تطرف لهم عين أو يقشعر لهم بدن.
ومن باب ذر الرماد في العيون الباكية يطلبون من الجلاد أن يترفق بضحاياه، ويرحمهم، ويؤمن حيواتهم، ويترجون منه العفو عند المقدرة، والجلاد على قناة «الجزيرة القطرية» جالس في خيلاء المنتصر، منتفخ الأَودَاج، متضخم من عب الدماء تسيل على شدقيه، يمسح لحيته، ويسخر منهم، ويهزأ، مصوبًا سلاحه في وجه العالم أجمع، سلاحه حديث ليس سيفًا من مخلفات التاريخ، من منتجات ترسانة الغرب العسكرية، أمدوه به علانية ليُحكم قبضته على الرقاب.
«واشنطن» تطبق نموذجًا قبيحًا لفكرة «الفوضى الخلاقة» في شعب من المستضعفين، تسلم رقاب البشر قطعانًا للذبح على أيدى وحوش بشرية مطلوقة في برارى الموت غير الرحيم.
استزراع الديمقراطية الأمريكية في الأراضى المستصلحة بقوة المارينز (مشاة البحرية الأمريكية) فشلت بامتياز، مخطط الفك والتركيب، والمخططات العابرة للمحيطات، لم تخلف إلا دمارًا.
الديمقراطية الأمريكية لا تعبأ بالدماء المهدرة، ولا بالبشر المرعوبين، ولا بالأوطان المستباحة، رعاة البقر الجدد (برَبْطَة العُنُق الحريرية الملونة) مهووسون بسيناريو الفوضى، فوضى عارمة تسحق أجساد البشر، شلالات دماء من العراق إلى سوريا مرورًا باليمن وليبيا.. والآن في أفغانستان.
التجارب الديمقراطية الأمريكية البائسة بذورها سامة لا تخلف سوى جثث وأشلاء ومشردين.. لماذا تدفع الشعوب الفقيرة ثمن الغرور الأمريكى؟ التحالف مع طالبان نموذج كارثى.
أرواح الملايين من الأبرياء باتت ورقة في صندوق انتخابات التجديد النصفى في الكونجرس الأمريكى، قربان للناخب الأمريكى، عله يهنأ وينام قرير العين سعيد.
صراع «الحمار» الديمقراطى و«الفيل» الجمهورى يدهس الشعوب خارج الحلبة كالعشب تحت الأقدام الغليظة، عندما تتصارع الأفيال لا تسأل عن العشب؟!
تسليم أفغانستان لطالبان، تسليم مفتاح، جريمة ضد الإنسانية، فلا تزعموا إنسانية باسم حقوق الإنسان، والإنسانية منكم براء.
عجبًا، تبشرك «مراكز التفكير» (Think tanks).
وتُلح على عقلك صباح مساء، عرض مستمر، أن (طالبان) تغيرت، واعتدلت، واستقامت، وسترون عجبًا!!.
يصدق في الأمريكان قول مأثور: «عجبًا أمركم.. أَوَ ترعى ذئابكم الغنم؟».. وبالمثل: أَوَ ترعى طالبان حقوق الإنسان، وتوسد الديمقراطية، وتؤسس لدولة عصرية؟!
نقلا عن المصرى اليوم