عيد اسطفانوس
أزعم أننى أستطيع وصفه بمنظور ثلاثى الابعاد لون وطعم ورائحة، فكثيرا ما شربت منقوع احساسه مركزا ولازال مطبوعا فى سقف الحلق ، تميد الأرض تحت الأقدام، وتتوقف كل دورات الحياه بل ينعكس اتجاه دورانها ، ولا نعود نخاف الموت بل يصبح السعى اليه هو المراد والمرام، نعم تصبح كل الاشياء سواء لايهمنا أى منها حتى ماكنا نعشقه ونتوق اليه، ومعه تنسد كل طاقات النور ، وهو ذو أسماء كثر فشل وهزيمة وسقوط وخذلان واحباط و..و.. والمعنى واحد ، ويزداد الاحساس بالمرارة والشعور بالذنب والندم عندما يكون الفشل ناتج تقصير أو اهمال كان يمكن تفاديه، والأقسى أن تنهزم فى معركة لم تخضها أصلا أى الهزيمة بالانسحاب ، وفى أواخر رحلة الحياه أستطيع القول أننى كنت المسئول الأول عن معظم هزائمى واخفاقاتى ،والهزيمة ليست ناتج نزال بين شخصين أو فريقين فقط لكن وجوهها كثيرة تنهزم فى الحب وتنهزم فى الحياه وتنهزم من صديق وتنهزم من أخ وتنهزم من المجتمع وتنهزم من نفسك ،وتلك الأخيرة هزيمة منكرة تشعرك بصغر النفس وبالأخص عندما تهزمك شهواتك وملذاتك الآنية على حساب قيمك ومبادئك ،أما الهزيمة الكبرى فهى أن يهزمك الزمن ويسلبك كل مقومات الحياه وأنت لاحول لك ولا قوه وعندئذ تقترب النهايات الحزينه.
وفى المقابل ولو أنها كانت قليلة وجاءت بشق الأنفس ذقت أيضا طعم الفوز طعم النصر طعم النجاح ، ويومها كان له مذاق ولون ورائحة وتصبح اللحظات سعيدة ويتجدد الأمل فى النفس ويعود الاقبال على الحياه ويغمر الحب خلايا الجسد كله وتذهب الهموم والأوهام أدراج الرياح وتعود الثقة تسكن القلوب ويعود اليقين يسكن العقول.
ومناسبة هذا الطرح هو تلك المناسبة المبهجة للنفس والجسد والروح التى تمر كل 4 سنوات ، وأكثر وأمتع ما يبهج فيها هى لحظات الانتصار لحظات الفوز لحظات النصر لحظات الوصول الى خط النهاية قبل الجميع، لحظات تحدى الجاذبيه ورفع أضعاف وزنك فوق رأسك ،لحظات كسر حواجز الزمان والمكان لحظات استخراج الامكانات الاعجازية المذهلة للجسد البشرى ،وكأننا نرى مخلوقات من عوالم غريبة نعم عوالم غريبة علينا نحن سكان هذه المنطقة من الكوكب هذه المنطقة المعزولة عن الدنيا ونشاطها وثقافتها وعلمها وابتكاراتها واكتفينا بالفرجة والاندهاش وفغر الافواه وادمان الهزيمة وتبريرها ،وحتى لو جاء النصر خلسة نعزوه لقوى غيبية خارقة أى أنه هبه لا نستحقها .
وعندما كنت أرى هؤلاء الشباب يرددون نشيد بلادهم بقوة وحماس أعرف مدى تصميمهم على احراز النصر لأوطانهم لرفع راياتها عاليه خفاقة تعلن عن الحصول على الجائزة، جائزة العلم والتخطيط والاستعداد المستدام لهذه اللحظة التاريخية، لحظة الفوز بالذهب، والحسرة كل الحسرة عندما أرى شفاها قد أصابها الشلل يعزف نشيدها الوطنى وكأنه يعزف لأول مرة ، الشفاه ثقيلة والعيون زائغة ولما لا وعقله الباطن متيقن أن عزفه حرام وترديده حرام ويدخل الحلبة بفكر شارد ويقين مهتز بفكرة الوطن من أساسها ،ويخرج مهزوما حزينا محبطا يلعن كل شئ ويدعى المظلومية وهو فعلا مظلوم ظلمه مجتمعه وظلمته ثقافته ثقافة النصر الذى لا بد أن يهبط من السماء .
نعود الى تلك اللحظة المبهجة المفرحة حيث تنفجر غدد الدموع لتغسل فى لحظة كل هموم المعاناه والانتظار والترقب والاستعداد المضنى لسنوات ،وتفتح الأذرع لتعانق وتحتضن الجميع بلا تحرج ولا حساب ،وترتفع الرايات خفاقة تعلن عن منظومة فى أوطان أفرزت ورعت ونمت هذه المواهب ، أوطان هادئه مستقرة لا صراعات ولا أحقاد ولا فرز ولا تمييز أوطان يسودها القانون والنظام وأما هؤلاء الذين جاءوا بمنطق ربما تهبنا السماء فقد عادوا بالفتات ، ولك أن تتخيل أن دولة مثل كوبا تعدادها عشرة مليونات من البشر حصدت أكثر من حصيلة كل الدول العربية مجتمعه.
الخلاصة انتهى العرس الاوليمبى وهو ليس منافسة رياضية وحسب لكنه منافسة فى العلم والتخطيط والاستعداد المدروس وانتقاء المواهب ورعايتها وأولئك هم الفائزون .