محمود العلايلي
بعد عشرين عامًا من الحروب فى أفغانستان ومحاولة الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، وأهمها المملكة المتحدة، السيطرة على الوضع هناك، سواء بشكل مباشر عن طريق جيوشها المرابطة على الأرض، أو عن طريق تسليح وتدريب الجيش الأفغانى النظامى الذى انهار فى موقع تلو الآخر خلال الأسابيع الماضية أمام جيوش طالبان التى اجتاحته حتى استولت على قصر الرئاسة وكل المؤسسات السياسية فى أفغانستان.
فإننا نجد أنه من الفائت لأوانه الحديث عن سياسة الولايات المتحدة فى تلك المنطقة، وأسباب تقوية طالبان بتكرار قصة القضاء على الشيوعية، ثم التورط فى حرب عصابات مع التنظيمات نفسها المدربة والمسلحة من قبل الأمريكان أنفسهم فى نوعية من المعارك لم يكسبها جيش نظامى على مدى التاريخ المعروف، بالإضافة إلى المليارات التى أنفقت، والأرواح التى أزهقت، والأحوال الاقتصادية التى انهارت، مما أدى إلى فشل الدولة، وأصبحت أفغانستان على مدى كل هذه السنين فى الترتيب الأخير على مستوى جودة الحياة بين دول العالم.
وبسبب الأحداث الجارية وتسارعها، فإن وكالات الأخبار ومحطات التليفزيون تتابع ما يحدث على الأرض، وتحاول استشراف المستقبل القريب لدولة أفغانستان، والذى وصفه الأغلبية بالفشل وعدم القدرة على الاستمرار، استنادًا إلى المشاهد المصورة لـ(مجاهدى طالبان) أو (مقاتلى طالبان) وطريقة انفعالاتهم وتصرفاتهم داخل القصر الرئاسى وحوله وفى إطار المؤسسات السياسية الأفغانية.
ووقعت الغالبية العظمى فى فخ التنميط، سواء من المعلقين المحترفين أو المتابعين العاديين وذلك بوصف طالبان أو الحركة أو الثورة أو الانقلاب أو الحرب بـ(الإسلامية).. لأن الإسلامية أو الإسلام هو المرجعية التى على أساسها كونت هذه الجماعات نفسها، وعلى أساسها تحالفت معها الولايات المتحدة يومًا، ثم حاربتها الولايات المتحدة أيامًا.. ولذلك تروج الحركة ومثيلاتها من الحركات أنها الإسلام وأن الإسلام هو الحركة، فتبدأ المدركات الساذجة فى استقبال ذلك بالإيجاب أحيانًا.
وكأن الزى الأفغانى هو الزى الإسلامى، والمرجعية الفكرية لطالبان هى المرجعية الإسلامية الحقة، وأن أعداء طالبان هم تلقائيًا أعداء الإسلام، بينما على جانب آخر نجد من يعادى ذلك على أساس أن هذا زى إسلامى لا يليق بالزمن الحالى- بينما هو زى أفغانى وطنى - وأن مرجعيتهم الفكرية الإسلامية لا يمكن أن تسرى على الدول الحديثة- بينما هى مرجعية للاستقواء والحشد - والأهم أن العداء بين الحركة والدول الأخرى سواء كان الاتحاد السوفيتى الشيوعى يومًا أو الولايات المتحدة الليبرالية يومًا أو حتى ضد الجيش الأفغانى لم يكن إلا حروبًا سياسية وعسكرية التصق فيها وصف «الإسلام» بحركة طالبان على مدى سنوات الصراع.
والحقيقة أننى هنا لست فى معرض الدفاع أو الهجوم على الأنظمة أو التنظيمات الإسلامية أو التى تدعى ذلك، ولكنى أحاول أن أحدد بشكل أدق شكل الصراع الفكرى الذى تحول إلى معركة بين العلمانية والإسلام، مما حول المسألة للتراشق بالاتهام بالكفر والجهل بتاريخ أمة الإسلام، ووصف المعادين لانتصار طالبان بالانبطاح للعلمانية، بينما المسألة فى حقيقتها صراع بين التمسك بأسباب التقدم والرقى وبين التشبث بالتخلف والجهل، لأن ذلك لا يقتصر على من يدعون صلتهم بالدين بقدر الترويج للاستناد إلى مرجعيات ماضوية بالتمسك بالمألوف والمعروف مع الخوف من الابتكار والتغيير، وهو الذى يعد التهديد الحقيقى لإنسان القرن الواحد والعشرين.
وسواء حمل هذا النظام عنوانًا دينيًا أو أيديولوجيًا سياسيًا، فالأهم ألا نقع فى فخ التسميات بقدر ما نقيم الخطط والتصرفات.. أما بخصوص طالبان فالتمسك بالدين من عدمه لا يعد مؤشرًا على نجاح أى دولة، وبالتالى فلا يعنينا ما يدعون من صحيح الدين بقدر ما يعنينا ما يحملونه من رؤية سياسية وقدرات اقتصادية وتطلعات علمية، وهى عناصر يحيط الشك بوجودها أكثر من التأكيد على ذلك.
نقلا عن المصرى اليوم