يوسف سيدهم
مثل كل الدورات الأوليمبية تابعت بشغف فعاليات دورة طوكيو التي جرت بين 23 يوليو الماضي و8 أغسطس الجاري متأخرة عن موعدها الرسمي عاما كاملا بسبب وباء كورونا وضغوط ومحاذير إقامتها في موعدها الأصلي العام الماضي 2020 -وهو ما اشتهرت بالانتساب إليه مثلها مثل سابقاتها من الدورات الأوليمبية بأن تسمي الدورة باسم المدينة التي استضافتها مصحوبا بالسنة التي استضافتها فيها -فكان أن حملت الدورة اسم طوكيو 2020 بالرغم من وقوع فعالياتها هذا العام 2021.
وبالرغم من شعبية اللعبات الجماعية واستحواذها علي نصيب لا بأس به من المتابعة الجماهيرية والتشجيع ستظل الدورات الأوليمبية لها سحر خاص في منافسات اللعبات الفردية التي يطلق عليها الكثير من النقاد سباقات الأسرع -الأعلي- الأقوي وذلك لأن الدورات الأوليمبية تعد العرس العالمي الجامع لسائر الرياضات والوليمة الشهية التي تجتمع حولها الأسرة الإنسانية تربطها مبادئ وأخلاقيات سامية تنأي بها عن الصراعات السياسية والعسكرية والعرقية والعنصرية التي تسيطر علي عالمنا.
وبطبيعة الحال وبالإضافة إلي متعة متابعة الولائم الشهية للعرس الأوليمبي كانت مشاهد متابعة وتشجيع الفرق المصرية المشاركة في اللعبات الجماعية علاوة علي اللاعبين المصريين واللاعبات المصريات في منافسات شتي اللعبات الفردية… وهنا تكون المتعة مختلفة… فبينما تكون المتابعة حيادية بدون انحياز لطرف في المنافسات التي تخلو من طرف مصري وذلك يقصر المتابعة علي المتعة ويجردها من العصبية, تكون المتابعة علي الجانب الآخر في المنافسات التي يشارك فيها لاعبون أو لاعبات تحت العلم المصري ساخنة حيث يغلب عليها التشجيع الساخن للمصريين ولا تخلو من العصبية علي حساب المتعة وتلك سمة قد تكون مشروعة لا مناص منها إذ تفرضها المشاعر الوطنية والتطلعات نحو إعلاء اسم مصر في الفوز ورفع علمها وعزف نشيدها الوطني.
وهنا نأتي إلي الواقع الذي يدعوني إلي فتح هذا الملف المسكوت عنه… فعقب انتهاء فعاليات الدورة الأوليمبية -وبغض النظر عن الأفراح والحفاوة البالغة التي صاحبت عودة الرياضيين والرياضيات الفائزين بالميداليات الأوليمبية وعددها ست ميداليات: ذهبية واحدة وفضية واحدة وأربع برونزيات -انطلقت أصوات كثيرة تعبر عن الإحباط وتسرف في توزيع الاتهامات بالفشل علي المشاركين في الدورة وعلي الاتحادات الرياضية التي ينتمون إليها وتمعن في ما يوصف بجلد الذات… الأمر الذي يستحق وقفة.
** مهما كانت بواعث الإحساس بعدم التوفيق أو الفشل في تحقيق ما كنا نصبو إليه من انتصارات وميداليات يحق لنا أن ندرك أن النصيب الضئيل من الميداليات التي حققتها مصر في طوكيو هو الأفضل في تاريخنا الأوليمبي, فلم تحصل مصر من قبل علي ست ميداليات في دورة واحدة عبر تاريخ طويل من مشاركاتها الأوليمبية التي تمتد من دورة ستوكهولم بالسويد عام 1912 وحتي دورة طوكيو هذا العام.
** يجب أن نعي أن الاتحادات الرياضية المصرية لا ترسل أبناءنا وبناتنا إلي التهلكة في المشاركات الأوليمبية بلا إعداد أو بلا استحقاق -أو كما يحلو للبعض أن يدعي بسطحية ملفتة أنه كان من الأفضل عدم إرسالهم علي الإطلاق (!!)- فالمشاركات الأوليمبية بالاستحقاق وليست بالاختيار وكل متابع جاد لأي رياضة أو لعبة يعرف تماما أن هناك الكثير والكثير من المنافسات المحلية والقومية التي تؤدي إلي المنافسات الإقليمية والقارية التي تنتهي بدورها إلي ترشيح الأبطال والبطلات الذين يتأهلون للمشاركة في الدورة الأوليمبية… إذا تحية مستحقة لكل مصري ومصرية ذهبوا إلي طوكيو وشاركوا في طابور عرض افتتاح الدورة وشاركوا في منافساتها بغض النظر عما حققوه من ميداليات, وعلينا أن نترفق بهم أولا حتي نواصل إعدادهم للمشاركة في الدورة الأوليمبية المقبلة باريس 2024 وثانيا حتي نضع أيدينا علي نقاط الضعف التي حالت بينهم وبين التميز والفوز لنعمل بجدية لتلافيها مستقبلا.
** في هذا الصدد وكما تعودت ألا أغفل حق أحد الزملاء فيما كتب وقدرته تقديرا بالغا, دعوني أتوجه بخالص الشكر للزميل العزيز الناقد الرياضي والكاتب الوطني الأستاذ إبراهيم حجازي علي كلمته الرائعة المنشورة في الأهرام بتاريخ 13 أغسطس الجاري تحت عنوان هي الأفضل آه.. غاية المراد لا! حيث كان قلمه بمثابة مشرط جراح ماهر قام بتشريح واقع الرياضة المصرية ووصل إلي موطن الداء موصيا بكيفية استئصاله.. وأستقطع هنا بعضا مما كتب:
* نستطيع الوقوف مع الكبار لأننا نملك المادة الخام لصناعة الأبطال, أرضنا تنبت المواهب الفنية ذات الفرز العالمي والقادرة علي تحقيق الانتصارات العالمية, ودستورنا يقر بأن ممارسة الرياضة حق لكل مواطن ولكن قانون الرياضة لا توجد مادة واحدة فيه تتناول الممارسة التي بدونها يستحيل أن نري مواهبنا الرياضية… هناك احتياج حتمي لوجود ملعب طوله 50 مترا وعرضه 25 مترا لكل خمس عمارات يجري بناؤها حتي يمارس عليه أطفال وشباب هذه العمارات الرياضة.
* قضيتنا الأولي فيما هو قادم أن يمارس كل طفل وطفلة الرياضة لأجل توازن بدني وصحي ونفسي.. لأجل أفضل بناء لجسد الوطن.. لأجل مجتمع آمن متماسك.. لأجل التعرف علي المواهب الرياضية التي منحها الله لنا.. إن أعداد من يمارسون الرياضة قليلة -بل قليلة جدا- وبالتبعية أعداد المواهب التي نراها شحيحة.
* علينا تغيير نظرتنا الدونية لكل ما هو غير كرة القدم, وأيضا نظرتنا الخاطئة لمراحل الناشئين.. علينا أن نعرف يقينا بأن الناشئ الصغير الذي نهمله من كل الجوانب هو الذي سيصبح بطلا في المستقبل.. إن المواهب الموجودة حاليا والتي نرصدها ونعرفها لا تتجاوز واحدا في المائة من المواهب غير الموجودة التي لم نرها لأنها لم تمارس الرياضة أصلا!!
* واضح أن الإعداد النفسي للأبطال بمفهومه العلمي غير موجود لدينا.. هذا رأيناه في أكثر من بطل وبطلة من المشاركين في طوكيو والذين كانوا علي شفا الفوز بالميداليات لكنهم أخفقوا بسبب القصور في الإعداد النفسي وبسبب عدم تحملهم الضغط العصبي الرهيب المصاحب للاقتراب من القمة في المنافسات.. لابد من إعادة النظر في أنظمة مسابقاتنا في مراحل الناشئين لأنها تركز علي الفوز ولا تهتم بما تتعرض له أجهزتهم العصبية التي لم يكتمل نموها من ضغوط ولا تؤهلهم لكيفية التأقلم مع تلك الضغوط.