د.ماجد عزت إسرائيل
تحتفل كنيستنا القبطية اليوم (16 مسري 1737ش/ 22 أغسطس 2021م) بعيد صعود جسد السيدة العذراء إلى السماء. ومن الجدير بالذكر أن هذا العيد يسبقه صوم يعرف باسم" صوم العذراء" ومدته (15 يومًا).
وقد وردت العديد من الآيات بالكتاب المقدس عن السيدة العذراء نذكر منها "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (سفر إشعياء 7: 14؛ إنجيل متى 1: 23)، "عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ" (إنجيل لوقا 1: 27) و"لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (إنجيل لوقا 1: 30). وأيضًا "مَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ" (سفر أعمال الرسل 1: 14). وكذلك "سلموا على مريم التي تعبت لاجلنا كثيرا" (رومية 16: 6).
على أية حال، ورد في الصلوات الليترجيّة في الطقس البيبزنطي عن انتقال أمنا السيدة مريم العذراء حيث ذكر قائلاً:"أيّتها البتول، لقد أوليتِ الطبيعة جوائز الغلبة إذ ولدت الإله، ولكنّك خضعتِ لنواميس الطبيعة مماثلة ابنكِ وخالقكِ، ومن ثمّ متِّ لتنهضي معه الى الأبد"،و"إنّ الملك إله الكلّ قد منحكِ ما يفوق الطبيعة، لأنّه كما صانكِ في الولادة عذراء، كذلك صان جسدكِ في الرمس بغير فساد، ومجّدكِ معه بانتقالكِ الإلهيّ، وأولاكِ شرفًا شأن الابن مع أمّه". وأيضًا "أمّا في ميلادكِ، يا والدة الإله، فحبل بغير زرع. وأمّا في رقادك فموت بغير فساد. إنّ في ذلك أعجوبة بعد أعجوبة. إذ كيف العادمة الزواج تغذّي ابنًا وتلبث طاهرة، أم كيف أمّ الإله تُشَمُّ منها رائحة ثوب الممات؟ فلذلك نرنّم لك مع الملاك قائلين: السلام لك يا ممتلئة نعمة"، وكذلك "أيتّها النقيّة، إنّ المظالّ السماويّة الإلهيّة قد تقبّلتك كما يليق، بما أنّك سماء حيّة ومنزّهة عن كل وصمة".
والآن عزيزي القارىء.. أتركك للتعرف على منزل السيدة العذراء بمدينة أفسس بشبه جزيرة الأناضول.فالمدينة أفسس مكانة كبيرة عند كل المسيحيين بكل طوائفهم حيث كانت أهم مركز للمسيحية؛ لإنها المدينة التي بشرها القديس بولس الرسول وعاش بها ما بين(54 – 57م)، وكتب رسالته لها ما بين عام(61-63م) تحت اسم" رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس"،وقد كتب في مقدمتها قائلاً:" بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ:نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ".كما شهدت أفسس جادل القديس بولس مع المحتشدين من الحرفين الذين كانوا في خدمة معبد أرطاميس، وبكلمه واحده صرف الجميع "وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَفَ الْمَحْفِلَ."( سفر أعمال الرسل 19 :41).كما كتب الرسول بولس رسالة إلى أهل كورنثوس الأولى من مدينة أفسس. وبعد وفاة الإمبراطور الروماني دوميتيان Domitian(51-96م)،عاد القديس يوحنا الحبيب إلى أفسس، في عهد الإمبراطور تراجان Trajan(98-117م)، وقد تنيح في حوالي100م. ومن الجدير بالذكر أن القديس يوحنا تحدث عن أفسس في سفر الرؤيا حيث ذكر قائلاً: « كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ قَائِلًا: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ»(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 10-11). كما يوجد على جبل كوريسوس في محيط مجمع أفسس منزل يٌعتقد بأنه أخر بيت سكنت فيه القديسة مريم العذراء.وحاليًا يبعد نحو7 كم من مدينة سلكك Selçuk، وهو أحد المزارات الهامة لهذه المدينة. ومن الجدير بالذكر أن هذا المنزل تم اكتشافه في القرن التاسع عشر الميلادي عن طريق راهبة ألمانية، تدعى" آن كاترين إمريخ"، رأت رؤيا فيها مريم العذراء ويوحنا الرسول في طريقها من القدس إلى أفسس. ووصفت منزل مريم العذراء في كافة التفاصيل، والتي تم تسجيلها في سريرها من قبل كاتب يدعى برينتانو، ونشرت رؤيتها في كتاب من قبل كليمنس برينتانو بعد وفاتها. وهذه الراهبة آن كاترين تم تطويبها من قبل البابا يوحنا بولس الثاني في(3 أكتوبر 2004). كما شهدت مدينة أفسس عقد المجمع المسكوني الثالث عام 431م والذي تناولت جلساته ما يربط العقيدة المختصَّة بالعذراء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بلقب الـ ”ثيئوتوكُس“ Theo-tokos أي ”حاملة أو والدة الإله“. ولقد أوضح البابا كيرلس الأول البطريرك رقم 24(412-444م)، ومعه مجمع أفسس،عقيدة الـ ”ثيئوتوكُس" عام(431م)، بأنْ اختصر الطريق إلى النقطة الأساسية في التجسُّد، بأنَّ المولود من العذراء: كان هو ابن الله متَّخذاً جسداً من القديسة العذراء مريم منذ لحظة الحَبَل ثم الولادة. وقد أرسى لفظ مجمع أفسس الحقيقة الإيمانية بأنَّ مريم كانت هي والدة الإله المتجسِّد ”بحسب طبيعته البشرية“، وليس ”بحسب طبيعته الإلهية“: ”فقد وَلَدَتْ بحسب الجسد كلمة الله الأزلي الذي صار جسداً (إنساناً)“.
على أية حال، كان لسقوط القسطنطينية في يد الاتراك العثمانيين عام 1453م تأثير كبير على تراجع مكانة مدينة أفسس كمركز للمسيحية. واليوم يذهب الآف المسيحيين إلى مدينة أفسس لزيارة الأماكن المسيحية التي شهدت العديد من الأحداث الهامة في تاريخ المسيحية. كل عام وأنتم بكل خير بمناسبة" عيد صعود جسد السيدة العذراء".