بقلم : ثائر نوفل أبو عطيوي
في الذكرى الثالثة على رحيل "حنا مينا" شيخ الرواية السورية، وأحد أهم الروائيين العرب في العصر الحديث، الحاصل على الشهادة الابتدائية لا غير، ليجعلها لسفينته المبحرة الشراع، الذي استطاع أن يجسد معالمها نحو الابداع، ليجعلها أسطورة في رحاب فن الممكن والمستطاع.
استطاع " حنا مينا " ومنذ الصغر أن يقهر ليل الحرمان وذل الفقر، الذي رافقه منذ ولادته في ظل ظروف قاسية شديدة للغاية، ، فعندما سُئل" حنا مينا" في أحد المناسبات ، من أي الجامعات تخرجت.؟ ، أجاب قائلا: "من جامعة الفقر الأسود!" ، وهذا بالتحديد هو فن الممكن والمستطاع، الذي استطاع " حنا مينا" أن يصل إلى ما وصل إليه من عبقرية فذة خارقة المعجزة والحدود ليحطم كل القيود، ليصل بمؤلفاته ورواياته نحو العالمية بإرادة واثقة عنوانها يستطيع الانسان أن لا يضيع في مستنقع الجهل والعوز والفقر، وأن يكون شمس مشرقة ولوحة مشرفة ورسالة خالدة وإرث انساني نبيل تتناقله الأجيال جيلاُ بعد جيل ، ويكتب له التميز والوجود، المؤمن بالبقاء والخلود مادامت النفس المطمئنة قادرة على نشيد الأمل الغائب والفرح المنسي في كل يوم جديد.
حنا مينا ... كاتب الكفاح والفرح الانسانيين ، والانسان الذي قهر في جبروت شخصيته ومؤلفاته ورواياته الظلم والاضطهاد والفقر والحرمان والاستبداد والاستعباد، واستطاع تكوين معنى سر الانتماء والبقاء أمام عواصف الحياة ورياحها العاتية دون انطواء أو تزيين وتلوين، لأنه يعتبر وضمن الحركة الأدبية من رواد تيار الواقعية الاجتماعية.
استطاع " حنا مينا" أن يحطم الصخر وينقش بأنامله الصغيرة في طفولته البائسة المبكرة عالماً لم يكن يتوقع الوصول إليه يوماً ما، ولم يكن كذلك الوصول إلى ما وصل إليه محض صدفة أو سهل ، بل كان مخاض تجربة ميلاد عسير في ظل واقع مرير عنوانه تحقيق العدالة الإنسانية في ظل المستحيل، الذي شملت كافة جوانب شخصيته وأثرت بها، والذي اجتاز بها كافة مراحل حياته من خلال حصوله على الشهادة الابتدائية، التي كانت نهاية مؤهلاته العلمية، وبداية حياته الابداعية ذات القدرات والاعجازات والانجازات، التي تحدت بعنفوان تكوينها كافة الاحباطات والمعيقات، لتروي لنا حكاية مادام هناك متسع للعيش والحياة ولو قليلاً ، فهناك أملاً للنشيد، ونحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً...
حنا مينا ... سيبقى تكويناً أدبياً خالداً مع مرور الزمن، لتحكي رواياته وقصصه ومؤلفاته كيف استطاع الانسان النهوض والبناء النفسي والفكري والثقافي في واقع عسير لا يؤهله ولو خطوة واحدة على التقدم والمسير، ولكن استطاع " حنا مينا" بالصبر والمثابرة والكفاح والفرح ورغم عمق الفقر والعوز والجرح ، ان يكون انساناً ايجابياً في هذه الحياة، وعنواناً أدبياً وأيقونة روائية سطورها تتناقلها الأجيال المثقفة، والتي تقوم بتدريسها وتوظيفها لخدمة العلم والانسان أكبر جامعات العالم تقدماً وعلماً، الزاخرة في العقول البشرية التي تنظر للإنسان وموروثاته الإبداعية بعين الاهتمام والاحترام.
في ذات السياق : إلى " حنا مينا" الانسان الذي لم تستطع الأيام أن تطويه أو تكسره أو تثنيه وتحتويه من شدة النكبات والأحزان وعالم الفقر والاضطهاد والحرمان ، إلى كل ذلك بل وأكثر، إلى روح "حنا مينا" شيخ الرواية وقديس الحكاية وردة وسلام.
خارج السياق : من لا يعرف " حنا مينا " لا يعرف معنى الظلم والاضطهاد ، ولا يعرف معنى الفقر والحرمان والاستعباد، ولم يعرف رواية الزمان وحكاية المكان ، ولم يعرف معنى التمسك بالحلم والأمل المغادران ، ولا يعرف في نهاية العمر المعنى الوجودي للإنسان.