حمدي رزق
السينما سبقت، هوليوود سبقت البيت الأبيض فى قرار الانسحاب من مواجهة طالبان فى أفغانستان، وسببت الأسباب، وأجابت باكرا عن الأسئلة التى تعكف عليها مراكز التفكير والأبحاث.
يستوجب مشاهدة فيلم «المخفر» The Outpost إنتاج بلغارى/ أمريكى (عام ٢٠١٩) عرض (٢٠٢٠)، جرى تصويره فى وادٍ بلغارى شبيه بأودية أفغانستان، إخراج رود لورى، وتأليف إريك جونسون وبول تاماسى، وبطولة أورلاندو بلوم، سكوت إيستود، ألكسندر أرنولد، وآخرين..
وتدور قصة فيلم «المخفر» عن معركة طرفاها مجموعة صغيرة من الجيش اﻷمريكى بأفغانستان، ضد مئات من أفراد حركة طالبان اﻹرهابية، ويحاول الجنود اﻷمريكيون إيقاف زحفهم على القاعدة الحصينة التى تحتل واديًا منخفضًا محاصرًا بتلال تسكنها طالبان.
تقرر موعد الانسحاب، ولكنه تأجل لشهور، هكذا الانسحاب الأمريكى مقرر فى «الفيلم» قبل قرار البيت الأبيض، السينما الأمريكية تحمل رسائل محددة فى توقيتات محددة، رسائل بعلم الوصول، فى خدمة المجهود الحربى الأمريكى.
كل ما يلف الانسحاب الأمريكى من علامات استفهام يجيب عنه الفيلم، فالضجر الأمريكى من البقاء طويلا فى أفغانستان، تلخصه جملة حوارية بين اثنين من الجنود، يقول أحدهما «هذا المكان مقرف».. فيرد الآخر «أجل لكنه ديارنا الآن»، ويكمل «إن بقينا على قيد الحياة.. فنحن فائزون»، ساخرا «إنها جنة عدن»!.
والمعضلة الأمريكية فى أفغانستان يلخصها حوار قصير على هامش هجوم ليلى تشنه طالبان، يقول الجندى لقائده، «ولماذا نقحم نفسنا فى هذه البشاعة؟». يرد القائد: «سنفوز بالحصول على قلبهم وعقلهم»، يجهز عليه الجندى بالقول: «أجل نريد قلبهم وعقلهم.. ويريدون دمنا وأحشاءنا!!».
الفيلم يلخص المأساة، جنود الجيش الوطنى يقبضون من الأمريكان الرواتب، ويخضعون للتدريبات، ويزودون بالأسلحة والمعدات، ولكنهم يقبضون ويهربون، ويتولون عند زحف طالبان، والأمريكان متأكدون من عدم جاهزيتهم النفسية لحرب طالبان، ورغم ذلك يدفعون، ويدفعون أكثر لقادة القبائل المحلية، ويعوضون الخسائر المادية والبشرية، ويجتهدون فى عقد الصفقات من حولهم، ويعدون بالمشاريع، ولكنهم لم يحوزوا ثقة الأفغان، فانعزلوا فى ثكناتهم محاطين بكراهية مسلحة بأحدث الأسلحة التى تسلحت بها طالبان.
غارات طالبان على المخفر، وضغطهم المستمر على أعصاب الجنود المتحصنين وراء المدرعات، استنزف قدرتهم على احتمال البقاء محاصرين، فتفشت فيهم الأمراض النفسية، كوابيس طالبان تجثم على صدورهم، ولجأ ضعاف الأعصاب منهم لتدخين الحشيش، ما اضطر القائد فى نوبة غضب أن يصيح: «تدخين الحشيش ليس الحل».
عدم ثقة الأمريكان بالعملاء المحليين، وتشككهم فى النوايا، يفصح عنه مشهد محورى فى محادثة بين عميل محلى جاء محذرا من هجوم عاصف تعد له طالبان لاجتياح المخفر، والقائد الذى لم يأبه بالتحذير، فلم يجد العميل سوى أن يصيح فى وجهه محذرا من عاقبة الأمور: «لقد اجتاحنا البريطانيون ولم يستمعوا إلينا، تصوروا أننا أغبياء وسحقوا.. واجتاحنا الروس ولم يستمعوا إلينا، تصوروا أننا أغبياء وسحقوا.. والآن ترتكبون نفس الخطأ..».
نفس الخطأ ارتكبه الأمريكان، ظنوا أن الأفغان أغبياء، والحكمة تقول «قد أكون فى ظنك غبيا، بالأحرى كن أنت ذكيا بالقدر الذى يعصمك من الغباء».
نقلا عن المصري اليوم