محمد ابو قمر

كنت أظن أن وزير التعليم طارق شوقي يطور التعليم عن طريق تغيير المناهج وحسب لكن من حسن حظي شرحت لي سيدة عظيمة تعمل في مجال التعليم ونحن نتناول كأسين من الآيس كريم كيف أن الوزير شوقي يريد إحداث انقلابة هائلة في نظرتنا للحياة ، في فهمنا لها ، في في إدراكنا لأنفسنا ، يريد استنهاض قدراتنا علي التفكير ، يريد أن يوقظ عقل الأمة المصرية الذي تم تنويمه عن قصد وسوء نية وبفعل طغمة من النصابين والدجالين ، شرحت لي باختصار وببساطة وبجملتين أو ثلاث أن الوزير شوقي يريد من هذا الشعب أن يستعيد قدراته علي الإبداع ويدخل بكل إمكاناته التاريخية في الحاضر ليصنع بنفسه المعجزات ولا ينتظر العطاء من أحد ويشارك بفاعلية في صنع الحضارة الإنسانية بعد أن أخرجه الخرافيون والمحتالون والكذابون من هذه المسيرة الظافرة التي حققت كل هذا التطور العلمي والتقني وجعلونا لا نهتم إلا بكيفية دخولنا إلي الحمام ووكيف نردد دعاء الركوب وما إذا كان الحجاب فريضة أم فضيلة .
قالت لي سيدة التعليم الواعية وهي تشرح أسرار إمتحان الثانوية هذا العام علي سبيل المثال إن شوقي لا يطلب من الطالب في امتحان الهندسة أن يرسم دائرة باستخدام البرجل ، وإنما يقول له : إفرض أنك لا تمتلك برجلا فكيف تستطيع رسم دائرة؟.
 
أي أن شوقي لا يريد الدائرة وإنما يريد من الطالب أن يفكر ، يريد أن يوقظ في الطالب عقله الذي أماتته وقضت عليه طريقة الحفظ الآلية ، يريد من الطالب أن يجهد تفكيره في إيجاد وسيلة أخري لصنع دائرة ، وهكذا تنمو قدرته علي الإبداع ، ومن ثم يتمكن من إبتكار وسائل أخري لصنع حياته بدلا من الوسائل الآلية العقيمة التي جمدته وحجرت تفكيره ووضعته في حالة اقتصادية واجتماعية وحتي إنسانية يرثي لها.
 
شرحت لي سيدة التعليم أنه حين يصحو عقل الانسان هكذا فإمكانه أن يغير حياته وبالتالي تتغير حياة المجتمع بالكامل ، وبعد أن كان الشخص فقط يستمع ويحفظ يصبح بهذه الطريقة قادرا علي مناقشة كل ما يوجه إليه من مقولات ، يتمكن من مواجهة الخرافة لأن عقله تيقظ ، وتنمو في المجتمع حالة نقدية يمكنها إسقاط كل الخزعبلات من حياتنا ، وتتضاعف إمكانية الإبداع لدي الفرد كفرد ولدي المجتمع بالتبعية ، ويختفي التنمر والحقد والكراهية وكل الأمراض التي نتجت من تعودنا علي السمع دون أن يمر ما نسمعه علي عقولنا .
 
عرفت من السيدة التي تعي جيدا أبعاد مأزقنا الحضاري عرفت منها لماذا يكره مافيا الملخصات والكتب الخارجية والدروس الخصوصية الوزير شوقي ، يكرهونه ويودون أن يموت اليوم قبل الغد لأنه يعصف بطريقة التلقين والحفظ ، يريدونه أن يرحل لأنه يريد من الطالب الذي سيقودنا إلي المستقبل أن يفهم لا أن يحفظ ، يريدون تحطيمه لأنه يحرمهم من النصب والاحتيال علي الأجيال المطلوب منها أن تربطنا بالحضارة الإنسانية ، ينشرون كل يوم عشرات الإشاعات عنه لإصابته باليأس كي يترك لهم هذا الشعب فريسة يأكلون لحمه حيا ويستنزفون قدراته ويحققون من تخلفه وغيابه المليارات .
 
تأكدت من السيدة أن شوقي لا يهمه كثيرا تغيير المناهج ، فالمنهج بالنسبة إليه ليس إلا وسيلة من وسائل المعرفة ، أما هدفه الأساسي فهو عقل الأمة وضميرها وطريقة حياتها التي إن ظلت علي حالة الموات هذه فستدخل في النفق المعتم الذي سيلغي وجودها إلي الأبد.
 
شوقي جاء ليزيل آثار الخطاب البائد المتحجر والخرافي ، جاء لينقذ الأمة من مافيا الدروس الخصوصية التي استنزفت اقتصاد الأسرة المصرية ، شوقي جاء ليعصف بالمحتالين النصابين وعصابات الكتب الخارجية والملخصات التي صارت في أحوال كثيرة في حجم اللبوس الذي يتعاطاه المصابون بالإمساك.
كان حديثا ممتعا ، وكان الآيس كريم بالمكسرات ، وكان مستقبل مصر في ضمير سيدة التعليم الجميلة ، وكانت هي متألقة ومتحمسة ورائعة وتكاد تقفز من فوق الطاولة وهي تتحدث عن مصر المستقبل.