سحر الجعارة
فى هذا البلد رئيس يخاطب النساء: «عظيمات مصر»، يحمل الورود لشابة تعرّضت للتحرّش عشية تنصيبه رئيساً للبلاد، يطالب بتقنين «الطلاق الشفهى».. فى هذا البلد الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، الذى يدرك جيداً أن نقل المواطن من العشوائيات لن يكتمل إلا بنقله من مرحلة «التجريف الفكرى والتغييب الدينى» إلى مرحلة «الوعى الدينى».. إن كنت تحسب أن «مفردات رسالة الرئيس» تتغير فأنا أجدها تتحدث لتتكامل.. وإن كنت تحسب أن لهجته الحانية تحتمل تمريراً لسياسات لا يرضى عنها، فاعلم أنه محارب يخوض معركة تحرير تسمى «قيادة دولة».
 
ضع كل الملفات التى يديرها القائد الآن جانباً: (ملف العلاقات الخارجية، تنويع مصادر السلاح، مواجهة مؤامرة تعطيش مصر، «النيران الصديقة»، الحرب على الإرهاب والفساد، معركة الإعمار والتنمية المستدامة، صحة المواطن الذى تطرق أبوابه «كورونا» بعنف، ربط التعليم بسوق العمل.. إلخ).. يعلم الرئيس أن كل هذا لن يتحقق إلا بمواطن يتمسك بهويته الحقيقية، كثيراً ما تحدث «السيسى» عن (إعادة بناء الشخصية المصرية)، وأن المواطن الذى ابتلعه يوماً ما «تسونامى الإخوان» قابل للعب على أوتار المشاعر الدينية والروحية، بدءاً من التواطؤ والتستّر على الخلايا الإرهابية النائمة، وصولاً إلى التجنيد فى التنظيمات الإرهابية.
 
فحين يتحدث الرئيس عن «الوعى الدينى» لا بد أن نُنصت جيداً لمضمون هذا المصطلح: (إن هناك قضايا كثيرة، لكن القضية المهمة قضية الوعى بمفهومها الشامل، «زى مثلا الوعى بالدين، يعنى الناس تبقى فاهمة، هاقولك تعبير صعب أوى، كلنا اتولدنا اللى مسلم مسلم، وغير المسلم غير مسلم بالبطاقة اللى هو ورثها»).. هكذا تحدث الرئيس إلى برنامج «صالة التحرير» مع الإعلامية «عزة مصطفى»، الذى عُرض على شاشة «صدى البلد».حين يتحدث الرئيس -عبر الفضائيات- اعلم أن لديه رسالة سريعة يود توصيلها لك أنت حضرة المواطن: (المفروض نعيد صياغة فهمنا للمعتقد اللى إحنا ماشيين عليه، طب كنا صغيرين مش عارفين، طب فكرت ولّا خايف تفكر فى المعتقد اللى انت ماشى عليه، عندك استعداد تمشى فى مسيرة بحث فى المسار ده حتى تصل للحقيقة؟).
 
من منكم فكر أن ثقافة «الحل والتحريم» تُبدّد جهود «إصلاح المجتمع»، وأن التشوهات الدينية خلقت مواطناً عشوائياً، وأن «التنوير» ليس مهمة قمة هرم السلطة، بل مهمة المثقف والفنان وليس «الكهنة».. البعض يتصور أن التنوير قرار سيادى يصدره الرئيس بمرسوم رسمى، وهذه رؤية عبثية.
 
البعض الآخر يطالب بتعديل الدستور وحذف خانة الديانة من الأوراق الثبوتية وإلغاء قانون ازدراء الأديان وتوحيد التعليم ليصبح مدنياً أى «التغيير بالصدمة».. والحقيقة أنه لكى يتحقق كل هذا لا بد أن تكون لديك قاعدة جماهيرية صلبة تضع هذه المطالب على رأس أولوياتها.. أو على الأقل تكون محل قبول شعبى وإلا أحدثت شرخاً وطنياً.
 
حتى الآن، مثل هذه المبادرات قد تهدّد السلم الاجتماعى، وتنبئ بصدام بين قوى ليبرالية وأغلبية تدافع عن دين ورثته بشهادة الميلاد، وطقوس ابتدعتها جماعة «الوصاية الدينية» باختلافاتها.. حتى الآن نطرح السؤال اللغم: «الوعى أولاً أم القرارات الفوقية».. لقد اتخذ الرئيس أهم قرار للإصلاح الدينى وخلق وعى مجتمعى بفتح الأبواب للفنانين والمثقفين لتقديم رؤاهم التنويرية كمبدعين.. فتح أبواب التنوير الموصدة لا بد أن يترجم إلى سياسات فاعلة، خريطة جديدة تسقط فيها سلطة الكهنة وينتصر التنوير: فمن يبادر؟.
نقلا عن الوطن