الأب رفيق جريش
بعد الهروب الغريب والمريب للقوات الأمريكية من أفغانستان، تظهر بعض المقالات الغربية التى تحاول الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية وتبحث لها عن دور جديد لتلعبه تحت شعار «العالم بحاجة إلى قيادة ديمقراطية» شعار غريب فى توقيت أغرب كأن الولايات المتحدة هى أم الديمقراطية، وهذا ليس صحيحًا، فالأحداث كلها تقود إلى حالة من الديمقراطية المنقوصة أو بالأحرى ديمقراطية إلى حدٍ ما.
لا نستطيع أن ننكر مكانة قوة أمريكا السياسية والاقتصادية والتكنولوجية التى تظهر فى أوقات من التاريخ وتخفت فى أوقات أخرى من التاريخ، ولا نستطيع أن ننكر أنها دولة لها مؤسساتها وتقوم ديمقراطيتها على تداول السلطة ولكن هل الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع بعد كل ما جرى فى أفغانستان ومن قبلها العراق ومن قبل قبلها فى فيتنام أن تقود العالم إلى الديمقراطية؟ كيف هذا وهى دولة فقدت مصداقيتها فى العالم من الحلفاء قبل الأعداء، ومن دولة تظهر بواجهة ديمقراطية ولكن تبطن ما لا تظهر لشعبها أولًا وحلفائها ثانيًا وبقية دول العالم، وأحسب أن أغلب الدول الغربية على نفس هذا الأسلوب منها ما هى أكثر مساحة الديمقراطية أو أقل مساحة ونتساءل: أين رقابة الكونجرس فى دولة أنفقت تريليونات من الدولارات فى أفغانستان والعراق بدلًا من إنفاقها على الداخل أو إنفاقها على الدول النامية والفقيرة والتى تئن من الألم والجوع والصحة العليلة.
الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل ديمقراطيتها هى وريثة الفكر الاستعمارى الممتد عبر التاريخ، فترى نفسها دائمًا الأقوى والأعظم والأذكى والأوحد، وهى ذاتها التى دعمت الحكومات الأكثر بطشًا وفسادًا وديكتاتورية ضد مصلحة كثير من شعوب العالم. أما أوروبا فهى فى وضع لا يسمح لها بقيادة العالم الحر، خاصة مع صعود يمين اليمين الذى لا يرى إلا مصلحة بلاده دون النظر كثيرًا إلى مصلحة الشعوب الأخرى.
مع هذه المعطيات من المنتظر أن تعرف دول كثيرة فى العالم الفوضى وستحاول بعض الدول الأخرى وفى مقدمتها روسيا والصين وبعض الدول ذات النفوذ فى منطقتها الجغرافية أن تملأ الفراغ الذى تتركه الولايات المتحدة بعدم مصداقيتها ولعبها على كل الحبال حتى التفت أخيرًا حول رقبتها. المحصلة النهائية أن الديمقراطية التى نقرأها فى الكتب هى مثالية بامتياز ولكن غير موجودة بكاملها على أرض الواقع بدءًا من العالم الذى يقول عن نفسه «العالم الحر».
فقد أثبتت الأيام أن الديمقراطية فى تلك البلاد هى واجهة فقط أما المؤامرات والمواءمات الداخلية هى التى تملك زمام الحكم فهى دول ديمقراطية ولكن لحدٍ ما. أى أن هناك حدودًا تفرضها أشياء كثيرة أخرى منها العام ومنها الخاص.
أما نحن فعلينا كشعب عريق ذى حضارة سبقت كل الحضارات المعاصرة أن نفطن لتلك التغييرات السياسية مختارين بملء حريتنا ما هو ملائم لبلادنا وشعبنا، وسنحقق ذلك بسواعدنا وتعبنا وعرقنا وليس إملاء من أحد.
نقلا عن المصرى اليوم