هاني لبيب
فى نهاية التسعينيات، أجرى أحد الصحفيين حوارًا مع مخرج فرنسى مشهور، أثناء وجوده فى القاهرة، لحضور مؤتمر دولى عن المسرح، ويوم صدور المجلة ذكرت جريدة قومية فى صفحتها الأخيرة أن هذا المخرج قد اعتذر عن عدم حضور المؤتمر، وهكذا اكتشفت إدارة المجلة أن الحوار مقتبس بالكامل من مقابلات فى عدة جرائد ومجلات أجنبية. وأذكر حينها أنها كانت فضيحة بما تعنيه الكلمة، واعتبرنا ما حدث فعلًا مشينًا لا يمكن أن يصدر عن شخص ينتمى إلى الإعلام.
وإن كان هذا فى عصر ما قبل السوشيال ميديا فما بالكم بما يحدث الآن من تجاوزات؟ لقد بدأت الأمور فى التراجع بعد أحداث 25 يناير 2011 مع زيادة عدد الراغبين فى اقتحام عالم الإعلام من بوابة الصحافة، وظهرت فئة طفيلية تحت بند «النشطاء الحقوقيين» تسببت فى تراجع المهنة من جهة، وفى ابتعاد الناس عن الصحافة بسبب طريقتهم الاستعلائية مع المجتمع من جهة أخرى، فضلًا عن تخوينهم كل مَن يخالفهم الرأى.
استحلت هذه الفئة الطفيلية الهجوم على رموز المجتمع دون أدلة، واعتمدت على العنعنات، وروجت للأكاذيب حتى صدقتها، وتعاملت معها باعتبارها الحقيقة المجردة.
ومؤخرًا، عانى العديد من الشخصيات العامة من تصرفات تلك الفئة الطفيلية التى تنتهك أبسط قواعد الخصوصية، بتسجيل المكالمات، وما تتضمنه أحيانًا من عدم دقة بعض الألفاظ، أو خروجها عن الخط، إذ إن الكلام يخرج على سبيل «الفضفضة» دون تخوين المتصل، ودون تنبيه الشخصية العامة إلى تسجيل المكالمة، خاصة أن هناك العديد من التطبيقات على الهواتف الذكية تستطيع التسجيل بمنتهى السهولة دون شعور الطرف الثانى.
يوم الثلاثاء 23 أغسطس 2021، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة الأستاذ كرم جبر، عددًا من السياسات ومجموعة من القرارات، من أهمها على الإطلاق «معالجة ظاهرة قيام بعض الصحفيين والإعلاميين بتسجيل محادثات أو لقاءات مع بعض الأشخاص مع بثها إعلاميًا أو صحفيًا دون موافقة مسبقة من أصحاب الشأن». واستحدث المجلس كودًا يُضاف إلى لائحة الأكواد والمعايير والجزاءات ينص على: «يُعد مخالفةً للأكواد والمعايير الإعلامية وميثاق الشرف المهنى الصحفى والإعلامى واعتداءً على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للأفراد»، وهو ما يعنى حظر قيام أى صحفى أو إعلامى بتسجيل المحادثات التليفونية بينه وبين المصدر، وكذلك منعه من بث المحادثة على أى وسيلة إعلامية دون إذن الطرف الآخر.
موقف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يستحق التقدير والثناء، إذ يحافظ على المهنية الإعلامية فى مجملها، وربما يكون هذا البند هو الباب الرئيسى لصون خصوصية أى مواطن مصرى سواء كان من الشخصيات العامة أو غير ذلك.
يتوافق الأمر أيضًا مع التحفظ على نشر أى أخبار تمس سمعة المواطنين دون دليل، سواء كانوا من عامة الناس، أو من الشخصيات المعروفة، وعدم نشر أخبار كذلك تحمل اتهامات لأشخاص دون منحهم حق الرد، وعدم نشر المادة الخبرية المشتملة على سباب أو تحقير أو ازدراء أو وصف بالكذب أو ألفاظ نابية.
نقطة ومن أول السطر..
متابعة التريند يجب أن تكون بغرض تقديم رسالة أو بهدف الترفيه، ولكن يجب كذلك عدم الانسياق وراءه إن كان يخالف الأخلاق العامة، وفى البحث عن السبق لا يجب نسيان المعايير الإنسانية، فإن كانت هناك قصة تتعلق بتعذيب ابن لأمه مثلًا، لدرجة ظهور آثار الاعتداء الوحشى عليها، فلا يجب نشر صورتها.. مثلما حدث مؤخرًا.
تُرى، هل نحتاج إلى دليل إرشادى لمعايير الجودة الإعلامية؟
نقلا عن المصرى اليوم