الأنبا موسى
يشيع البعض أن هناك ملحدين كثيرين فى مصر والعالم، والحقيقة أن الإلحاد «وهم».. وهو مشكلة قديمة ولكنها تطل برأسها بين آن وآخر، وادعى البعض أن الدين هو سبب تخلف الشعوب عن الركب الحضارى والتكنولوجى، بالتالى أدى ذلك إلى الاستخفاف بالدين (التدين) بشكل عام.. والنظر لرجال الدين كمن ينظر إلى المازحين أو المشعوذين.
ومن جهة أخرى لا نستطيع أن ننكر أن النجاسة أصبحت تسير فى شوارع العالم، ترفع رأسها دون استحياء، وصارت فضيلة القداسة تتوارى خجلة أمام هذا الطوفان المتدنس من أفلام الدنس، وانحرافات الممارسة ودعوات الفجور، ومحاولات تقنين الشذوذ.. وما إلى ذلك. الحرية الجنسية فى الخارج جعلت الإنسان يعيش تحت خط الحيوان.. فالحيوان له حدوده ومواقيته، وضوابطه، أما الإنسان الذى أعطاه الرب «لجامين» لضبط الغريزة: العقل، والروح، فقد تجاهل هذه الضوابط العقلانية، والروحانية، وانساق وراء الغريزة والحس، بلا شبع ولا ارتواء.
وهكذا تمزقت القيم، وصار الزواج شيئًا مرفوضًا، وإنجاب الأطفال ثقلًا رهيبًا.. وتناقص عدد الأطفال، وازدادت حالات الطلاق، وتشرد الشباب فى طريق: العنف والإدمان والخطيئة، ومنها إلى الإلحاد وعبادة الشيطان.. وغيرها، وليس من راعٍ.
لذلك نحتاج، إذن، إلى نماذج جيدة ناجحة تدعو الشباب- لا عن اضطرار بل عن حب واختيار- إلى القداسة، كقيمة تصلح للحياة الأرضية، وتمهد للحياة الأبدية.. قيمة يمكن وضعها موضع التنفيذ، والسلوك بحسبها، بنعمة الرب والاجتهاد الأمين المفرح.. ومن كل هذه الأسباب خرجت الكثير من الضلالات ومنها:
- عبادة الشيطان:
هذه ضلالة جديدة، يحاول بها الشيطان اقتناص أبنائنا، والخروج بهم عن جادة السبيل، وما يبنى أرواحهم وأنفسهم وأجسادهم، إلى طريق مدمر وخطير.. فمن هو الشيطان، وما حكاية هذه الضلالة؟
1- من الشيطان؟
خلق الله الملائكة ورؤساء الملائكة، قبل أن يخلق الإنسان، وأعطاهم حرية إرادة وفرصة اختيار، فاختار كل رؤساء الملائكة ومن يتبعونهم من ملائكة، أن يعيشوا فى خضوع لله، وارتباط مستمر به، واثقين أن فى يدى الله السعادة والقداسة والخلود، ما عدا واحدًا منهم ومجموعته، الشيطان، الذى أراد فى كبرياء رديئة أن يصير مثل العلىّ، وهذا ما ورد فى سفر إشعياء النبى: «وَأَنْتَ (الشيطان) قُلْتَ فِى قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّى فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ.. وأَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ» (إشعياء 12:14-15).
وللشيطان أسماء عديدة فى الكتاب المقدس منها: إبليس أو الحية القديمة، ويسميه أيضًا: «الرُّوحِ الَّذِى يَعْمَلُ الآنَ فِى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ» (أفسس 2:2)، ولذلك يوصينا الله قائلًا: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب 7:4)، «لاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا» (أفسس 27:4)، «الْبَسُوا سِلَاحَ اللهِ الْكَامِلَ» - أى السلاح الروحى «لِكَىْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ» (أفسس 11:6).
وكلمة شيطان مأخوذة من كلمة «شطن» العبرية ومعناها «المقاوم»، وكلمة «إبليس» مأخوذة من كلمة «ديابولوس» اليونانية ومعناها «المفترى».
2- من عبدة الشيطان؟
بينما عبدة الشيطان هم أناس استغلوا الحرية التى أعطاها الله للإنسان، فرفضوا الله، وخضعوا لعدو الله إبليس، وهو عدو الإنسان أيضًا، وعدو كل بر، كل ما يتمناه أن يسقط الإنسان فى الخطيئة ليهلك، ولذلك فهو «كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (بطرس الأولى 8:5). مع أن الله قادر على أن يبيده ويفنيه، إلا أنه سمح ببقائه، لكى تكون للإنسان فرصة ممارسة الحرية، إذ يختار بين الحياة مع الله أو التبعية للشيطان.
وهؤلاء الناس الذين يعبدون الشيطان يعرِّضون أنفسهم للدمار الشامل بسبب الخطايا التى يمارسونها.
إن عبدة الشيطان ببساطة هم أناس رفضوا الخضوع والعبادة لإلهنا المحب، وأسلموا أنفسهم للشيطان الذى أغوى الإنسان لكى يسقط. وما زال يغوى البشر، ويغريهم بالخطايا والآثام، التى تدمر الإنسان تدميرًا كاملًا، فالخطيئة:
أ- تدمر الروح: العنصر الذى من خلاله نتصل بالله، وندخل عالم السمائيات والخلود.
ب- وتدمر العقل: إذ ينطفئ نوره الربانى، وتغشاه ظلمة عدو الخير.
ج- وتدمر النفس: حينما تتمرد الغرائز، وتنحرف العواطف والاتجاهات، وتملأ حياة الإنسان بالعادات الرديئة.
د- وتدمر الجسد: فيفقد طاقته، ويسقط فريسة أمراض رهيبة، كالإيدز والهربس والكالاميديا وغير ذلك.
ه- وتدمر العلاقات: فالإنسان المنحرف مرفوض من الجميع، ولا يرضى أحد معاشرته أو صداقته.
أما أبناء الله: فروحهم تشبع بالله، وعقلهم يستنير بنوره، ونفوسهم تنضبط بنعمته، وأجسادهم تصح بطاعة وصاياه، وعلاقاتهم تنجح من خلال المحبة والقداسة وروح العطاء.
3- الكتاب المقدس والعبادة: يوضح الكتاب المقدس أن العبادة لله وحده، فى قوله:
- «لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (لوقا 8:4). - «هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنا» (مزمور2:95).
- «الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية 4:6 - مرقس 29:12).
- «أنت الإله وليس آخر سواك» (يهوديت 19:9)
- «ليس إله إلا أنت المعتنى بالجميع» (الحكمة 13:12).
- «عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ» (مزمور 86: 10).
- «إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِى عَلَى الْكُلِّ» (أفسس 6:4)
- «لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ» (رُومِيَةَ ١١: ٣٦).
نقلا عن المصري اليوم