القس رفعت فكري سعيد
فى مداخلة تاريخية مهمة مع الإعلامية عزة مصطفى على قناة «صدى البلد»، الأسبوع الماضى، أثار الرئيس عبدالفتاح السيسى عدة قضايا، منها قضية الوعى الدينى، فقال: «الوعى الدينى قضية مهمة جدًا، كُلنا بنتولد فى مصر مسلم أو (غير مُسلم) على البطاقة، بناخد الدين بـ(الوراثة)، لكن هل أبدًا حد يعرف إن المفروض إن إحنا (نُعيد صياغة فهمنا للمُعتقد) إللى إحنا ماشيين عليه!؟ طب كُنا صغيرين مش عارفين، طب كبرنا، طب (فكرنا)!؟ ولا خايف تفكر!؟ هل فكرت (المُعتقد اللى إنت ماشى عليه صح ولا غلط)!؟ هل عندك استعداد تمشى فى مسيرة (البحث عن الحقيقة)!؟».
وعرّفت القواميس العربية الوعى بأنه الفهم وسلامة الإدراك.
وما طرحه الرئيس يحتاج إلى نقاش جاد من مثقفى مصر ومفكريها، لأنه مرتبط بقضايا التنوير والحريات الدينية. وفى حقيقة الأمر أنها ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها السيسى عن حرية الاعتقاد، فقد سبق أن صرح الرئيس فى منتدى شباب العالم عام ٢٠١٨ تصريحًا جامعًا مانعًا حول حرية الاعتقاد، فقال: «إن من حق كل مواطن أن يعبد ما يشاء أو لا يعبد، وإن الاعتقاد حرية شخصية، وحرية العقيدة حق من حقوق المواطن، وإن الدولة المصرية عازمة على بناء دور عبادة لكل الأديان فى مصر، وإن الدولة أصبحت تبنى فى كل مجتمع جديد دور عبادة لكل الطوائف والديانات»، مضيفًا: «لو هناك يهود فى مصر لبنت لهم الدولة دور عبادة».
وبهذا التصريح الواضح وضع السيسى إصبعه على أحد أمراض العالم العربى، وهو محاولة الأصوليين تحجيم حرية الاعتقاد وقصرها على أحد الأديان فقط، أو قصرها على الأديان الإبراهيمية الثلاثة فى أفضل الأحوال، فمما لاشك فيه أن عالمنا العربى فى محنة حقيقية ولديه مشكلة كبرى فى حرية الاعتقاد، رغم التشدق والزعم بأننا نحترم الحريات فى العالم العربى!!.
إن من حق الإنسان وجدانيًا وعقليًا أن يتجه الجهة التى يرتضيها اقتناعًا منه، وحرية الضمير أو حرية الاعتقاد هى حق كل فرد فى أن يؤمن أو لا يؤمن، فى أن يعتقد فى شىء أو فكرة أو لا يعتقد، فى أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة أو معارضًا لها، وحرية الاعتقاد حرية مطلقة فلا سبيل لشخص أو لسلطة على الضمائر، ولا مصلحة لها فى جعل شخص يتمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلى عن دين يعتقد صحته، وتكمن الحرية الدينية فى صميم أى مجتمع عادل وحر، وهى مجسدة برسوخ بمثابة قيمة تأسيسية كمبدأ عالمى.
كما أن الحق فى حرية الدين يُشكّل حجر الزاوية للديمقراطية، فهو المقياس الحيوى فى تشكيل وصون أى نظام سياسى مستقر، لذا فإن تقييم أوضاع الحرية الدينية يعتبر مؤشرًا مهمًا فى تشخيص الصحة العامة والاستقرار لدولة ما، وتعتبر حرية الضمير أو الاعتقاد من الحقوق الراسخة فى القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهذه المواثيق صادقت عليها مصر، وقد نص العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى المادة 18 على هذه الحريات.
وحرية الانتماء للدين هى القناعة الشخصية بالإيمان بذلك الدين عن فهم ودراسة بحيث يصبح الفرد مؤمنًا وداعيًا فى نفس الوقت، حيث إن مبدأ حرية الإنسان فى الانتماء لأى دين، والتى وردت فى الفقرة الأولى من المادة 18 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، وردت لتحسم الأمر أمام كل الدول والمجتمعات بأن هذه الحرية أساسية للإنسان، فهو حر فى اعتناق الدين والدعوة له، أو التحلل منه وتغييره. هل آن الأوان للنخبة المصرية أن تحقق أمنية الرئيس فى أن تقوم بدورها وترتقى بالوعى للمصريين- ذلك الوعى الذى هيمن عليه الأصوليون والظلاميون- أم سيظل الرجل يغرد بمفرده خارج السرب؟!!.
نقلا عن المصرى اليوم