بقلم / أشرف ونيس 💕
ما بين طبقات الدجى العالقة بين طيات الظلام فى كون انسابت منه حدوده حيث ذهبت منا إلى المجهول ، فها هو الفراغ وقد بسط جناحيه شاخصا إلى محدوديتنا بشئ من الترفع ، وها هى الظلمة وقد تربعت على عرشا حيث ذهبت بدايتها ونهايتها إلى رحلة وقد ابت منها الرجوع ، وما بين حدود كوننا واطراف ظلمته الخارجين عن حكم إدراكنا ، يقف عددا لا بأس به من الاجرام والاجسام الكونية شاهدة عن رهبة اللاحدود وعاكسة لسطوة اللازمان .
وفى لحظة هى تائهة فى عرض اللازمن حيث تلاشى الوقت من الوجود ، تسيد الصمت على المشهد قاطعا خط الازل اللانهائي ليبدأ الابدية ، مكملا بذلك خط السرمدية الغير معلوم من قبل أجهزة قياس كينونتنا البشرية ، فلقد تلاشت الأوائل ، كما امست الاواخر عدم ، وما بينهم الكل واقف خاشعا لهيبة اللاأول واللاأخر !
وبينما ظلت الروح عالقة تترنح بين أهوال اللامكان ، تلاشى منا اللحم والدم ، وبدأت الروح تسبح فى عالم الماورائيات ، أو قل عالم ما وراء الفضاء حيث غابت المادة من مسرح الوجود ، ليظهر وجود آخر كنا نسمع عنه فى رحاب الزمن ، وقت ان كنا بين حدود كوكب صغيرة يدعى كوكب الأرض ، وهو عالم الروح أو عالم الارواح ، ولا ندرى كنه و ماهية تلك الأرواح وقت تبرئها من اجسادنا لتشق دربها و طريقها اللانهائي لتستقر فى مقرها الابدى وفى عالمها حيث لا فساد ولا فناء .
وما بين ماضى سحيق ومستقبل لا حدا له قد ترآى لنا عالم الخلود بكل تجلياته وما بين رحابه ربوات من الملائكة و الكائنات الروحية ، تسجد هولا وخشعا لامجاد ابو الازل وأبو الأبدية الكائن على الكل - الله - الأول والاخر ، و أثناء ذلك المشهد الخارج عن نطاق لغتنا البشرية واذ بصوت تسبيح يخترق الأعماق تاركا أثرا لن يمحوه الأبد بكل عمقه ، فها هو شجو موسيقي يعزف لحن الخلود وها هو صوت التسبيح الصادر من أرواح تنشد لحن الأبدية ، وكلهم بصوت واحد ينشدون ترتيلة مبهمة فى معظمها ولا يوجد ماهو واضح منها سوى عبارة ( أمجد اسمك يا جالس على العرش ) ، وما بين ما لا يعبر عنه وبين ذهول الفكر من رهبة ما نرى وقوف العقل فى حالة صمت لا نعلم متى ستنتهي .
وفى خضم صمت لا نعلم كم دام وكم مر عليه ، واذ بأحد الملائكة يشق ذلك الصمت الرهيب ليعلن لنا أن ارواحنا لن تستقر فى عالم الأبد بل لابد لها ان تقبع فى عالم الزمن إلى حين ، ولكن قبل ترك عالم الخلود وما يحتويه أخذنا ذلك الملاك إلى رحاب خلود هو من نوع آخر حيث عذاب الاشرار وجهنم النار ، وعند الدخول إلى ذلك العالم واذ بيافطة مكتوب عليها عبارة ما اقساها وهى " إلى كل الداخلين إلى ذلك المكان عليهم أن يقطعون الأمل والرجاء إلى الأبد " و نحن على أعتاب ذلك المكان سمعت صراخ وعويل صادر من صوت أفراد اعرف بعضهم والباقي مجهول بالنسبة لى ، وهنا تضرعت إلى الملاك ألا ندخل إلى ذلك المكان ، فاللعنة تخيم على ارجاءه والغضب الالهى يسيطر عليه من كل جهة ، وعلامات البؤس واضحة عليه ، واليأس هو الدالة الواضحة على طيات المكان واعتابه .
وبنظرة خارقة للملاك واذ به يتملكه خشوع و قشعريرة عند صدور بعض الأوامر له من كائن يتفوق عليه عظمة و مجد ، بأنه عليه الرجوع بنا حالا إلى رحاب كوكب الأرض والدخول بنا إلى عالم المادة مرة أخرى ، وفور ذلك واذ بقوة جذب أرضية رهيبة تجذبنا لها وفى سرعة تتفوق عن سرعة البرق تتجمع ذرات جسدنا من مكان غير معلوم لنصير فوق رابية عالية على إحدى البقع النائية على كوكب الفناء مرة أخرى ، وقبل أن يترك الملاك ذلك المجال المادى واذ بى استعطفه لاخذنا إلى عالم الخلود مرة أخرى ، فلقد سئمت ارجلنا أرض الشقاء والتعب ، وإذ بالملاك يرد فى هيبة بأن وجودنا هنا هو إلى حين ، إلى أن ياتى يوم سوف اصعد أنا والملايين من أجساد البشر المادية إلى الوجود فى حضرة الأرواح للخلود معهم .
وهنا تأتى سحابة بيضاء بلون الثلج لتغمر الملاك ، وعندما حدقت النظر إليها فإذ لا وجود له ، وظلت اعينا شاخصة إلى أماكن عدة نحو السماء لكن لا أثر له ، فلابد أن يكون ذهب إلى عالم الخلود تاركا أرضنا وما عليها ، وما كان لى إلا أن انقل النظر من العلاء إلى مرمى خط الأفق حيث الأرض والبشر وعالم الفناء مرة أخرى على امل ذلك اليوم الذي فيه نخلع خيمتنا الجسدية وتنطلق إلى عالم اللافناء حيث الخلود والابد اللانهائى .