الأب رفيق جريش
العراق بلدٌ غنى، ليس فى البترول فحسب، ولكنه بلد قديم وعريق ذو حضارات واكبت الحضارة المصرية، منها على سبيل المثال الحضارة البابلية والسومرية والآشورية والأكدية، ثم الديانة المسيحية الكلدانية بعد أن بشرها القديس توما أحد تلاميذ السيد المسيح.. فالدولة الأموية والدولة العباسية والمغول ثم الدولة العثمانية، كما يمتاز العراق بتنوع سكانى قلما يجتمع فى دولة واحدة، منها على سبيل المثال اليهود والسريان والكلدان والبهانية والآشوريون والتركمان واليزيديون.. وغيرهم وغيرهم، وأول شريعة وضعت لتنظيم الناس كانت قانون حامورابى حتى قبل الوصايا العشر الشهيرة التى أعطاها الله لموسى على جبل سيناء والتى تتشابه دليلا على أن شريعة الله محفورة فى قلوب البشر، ثم دونت فى الكتب المقدسة. كذلك عَرف العراق الأنبياء بدءًا من إبراهيم أبوالمؤمنين وناحوم ودانيال ويونس وغيرهم.
منذ 1920 وُضعت الحدود العراقية بموجب معاهدة «سيفر»، وعُرف العراق الحديث الذى انتقل من المملكة إلى الجمهورية، ثم عرفت الحزب الأوحد وهو حزب البعث حتى الغزو الأمريكى عام 2003 بدعوى تحقيق الديمقراطية وبناء دولة حديثة.. ولكن العراق- للأسف- دخل فى صراعات خاصة بين السنة والشيعة، إضافة للفقر بعد أن تم نهب ثرواته كما نهبت آثاره. كما سقطت محافظات بيد داعش 2014، واندلعت حرب لتحرير ما قد سُلب مما لم يعطِ أى فرصة للعراق أن يلتقط أنفاسه.. لذا فإن قمة العراق التى حضرها الرئيس مع دول الجوار هى بداية لعودة العراق لدوره العربى والإقليمى، وعودة لحضارته وبناء الإنسان والدولة.
وقد حرص الرئيس السيسى، قبل إنهاء كلمته أمام مؤتمر بغداد، على توجيه نداء إلى الشعب العراقى تضمن ثلاث رسائل مهمة للشعب العراقى: أولا، التذكير بمعانى الأمة العراقية ذات الحضارة والتاريخ العريقين، وهى الأمة التى تملك أيضا مستقبلها بقدر ما تسعى إليه، وتأكيد أن التعدد والتنوع هو عنصر ثراء كبير، وتلك هى أهم نقطة تخص الأمن القومى العراقى. والثانية، تأكيده على حرص مصر على نهضة العراق، ونقل التجربة والخبرات المصرية إليه فى المجالات المختلفة، إيمانا بوحدة المصير والهدف. وتعكس صياغة هذه الرسالة خصوصية الطرح المصرى للمصالح، التى يغلفها - بل يحكمها- بالأساس مفهوم الخيرية فى السعى إلى نهضة الآخر الشقيق، انطلاقًا من الإيمان بوحدة المصير، وليس المصالح البحتة التى تتعلق بالاقتصاد والاستثمار والتجارة.. وليس خفيًا أن العلاقات العراقية المصرية مرت فى الماضى بمد وجذر.
أما الرسالة الثالثة، فدعوة الرئيس للعراقيين إلى الحفاظ على بلادهم بالبناء والتعمير والتعاون والمشاركة (ابنوا.. وعمّروا.. وتعاونوا.. وشاركوا)، فهذا النداء من الرئيس السيسى للشعب العراق مستقى من التجربة المصرية الحديثة والمعاشة، وهى التجربة التى أكدت أن الحفاظ على الأوطان لا يكون فقط بالوسائل والأدوات الأمنية والعسكرية، وإنما بتبنى نموذج بناء الإنسان أولًا وإعطائه حياة كريمة فى التعليم والمسكن والصحة.
نتمنى للعراق عودة إيجابية، ولتكن هذه القمة مناسبة لاحتواء أى تدخلات خارجية أو إقليمية.. فلن يُبنى العراق الحديث إلا بوحدة شعبه وسواعده وعرقه.
نقلا عن المصري اليوم