هاني لبيب
فى نقاش مع أحد رموز عمل المجتمع المدنى منذ عدة سنوات، ذكر أن العديد من جهود التوعية بأهمية دور المرأة فى الأسرة المصرية، وأهمية مشاركتها فى التصويت أثناء الانتخابات فى الريف تحديدًا قبل ثورة 30 يونيو، قد باءت بالفشل، لأسباب لم يستطع تحديدها، خاصة فى قرى الريف المصرى، وظلت الأمور تتعقد إلى أن نصحه أحد أبناء الريف بطريقة يحل بها هذه المشكلة.
وهذه المشكلة تتعلق بسيطرة رجال الدين، خاصة المبروكين منهم، لاعتقاد راسخ لدى أهل الريف بأن هؤلاء المبروكين لديهم قدرات غير مرئية فى التعامل مع السحر واكتشاف الأعمال وفكها، مما يزيد من مساحة الثقة فيهم.
وعلى المستوى الشخصى، انبهرت ذات يوم بصديق يحمل درجة الدكتوراه فى فلسفة الآداب، وتولى مواقع مرموقة على مدار سنوات طويلة ماضية فى الصحافة، وهو يسألنى عن مدى معرفتى بأحد ممن يقومون بفك الأعمال؟! ولم يكن استغرابى لهذا الطلب، فهناك كثيرون فى المجتمع يؤمنون به، وإنما بسبب أن يصدر السؤال عن صديقى الكاتب التنويرى العقلانى، الذى خصص مقالاته ضد كل ما يُحجِّم الفكر والعقل.
إنها ظاهرة بدأت فى التفشِّى بشكل عجيب بين أطياف المجتمع المصرى، إذ إن هناك اقتناعًا تامًا بأهمية مَن يقوم بفك الأعمال، لدرجة أن يصفه بعض مَن يساعدهم على حل أزماتهم وكربهم بأنه رجل طاهر يسمع له الله.
الطريف فى الأمر ما قرأته فى دراسة تؤكد أن ما يقرب من 20% من المصريين يؤمنون بالزار، ويلجأون إليه، وأن 63% من المصريين يعتقدون فى الخرافة والسحر، كما أكدت أن المترددات على المشعوذين من المتعلمات، وبغض النظر عن دقة النسب فإن مضمون الفكرة نفسها له دلالة خطيرة.
منذ فترة حاولت أن أكتشف من خلال مناقشة مع صديق كيف يفكر فى الأمر، وهل يؤمن به فعلًا، بعد أن علمت بأنه يذهب إلى شخص يدَّعى معرفة «المستخبى» من خلال «فتح المندل»، ووجدت لديه ثقة تامة فى أن هذا الشخص سيجيب له عما بداخله، و«هيريحه» نفسيًا على الأقل من الضغوط التى يتعرض لها.
وكما ذكرت فى بداية المقال، نجد مدى ثقة المصريين المفرطة فى رجال الدين هو ما نجده أكثر فى المناطق الريفية، وفى المناطق العشوائية والفقيرة، حيث أصبح رجل الدين هو مصدر الرأى الصائب، ويجب تنفيذ كلامه، وهو ما يصل إلى درجة التفكير فى أن مخالفة رأى رجال الدين عند البعض بمثابة المعصية الكبرى.
هناك فئة ليست بقليلة فى المجتمع المصرى تخلط بين صحيح الدين، وبين ما هو مزج فى المساحة بين الدين والخرافة فى محاولة لتبرير الأعمال السحرية بمنطلقات دينية. بمعنى آخر، يجد مَن يقوم باتباع مثل هذه الأعمال تبريرًا دينيًا لكى يمارسه دون الشعور بالذنب.
زيارة عابرة لمكتبات محطة مصر بميدان رمسيس تؤكد مدى انتشار ثقافة الخرافة والجهل، كما أن زيارة معرض الكتاب، والتوقف أمام العديد من دُور النشر مجهولة الهوية الفكرية، تؤكد اتجاهها إلى تغييب العقل، وإطلاق العنان للخرافات والخزعبلات من خلال مئات الكتب التى تروج للسحر على سبيل إعمال العقل.
نقطة ومن أول السطر..
الأمية التى نعانى منها الآن فى المجتمع المصرى هى أمية فكرية، وهى أخطر بكثير من الأمية الأبجدية، لأن فى اعتقاد الشخص المتعلم بالخرافة نتائج أسوأ على المجتمع فى تأثيره على غيره بأفكاره الغيبية.
نقلا عن المصري اليوم