سحر الجعارة
قتلوها.. وكانت بريئة: كانت قرنفلة حمراء تتبسم للندى، الكل يحلم بسحر عينيها.. بأبيات الشعر المنثورة على شفتيها.. كانت ضحوكاً تُباهى الربيع بفتنتها دون خجل.
كانت لماحة، ذكية، أفلتت من كل المؤامرات على أنوثتها.. المجتمع الذى فتح «باب التوبة» للمخطئات دون شرط أو قيد، وتعاطف مع المغتصبة لإعلاء قيمة «الستر».. تركهم يغتالونها معنوياً.. مضغوا سمعتها على المقاهى.. نشروا شائعات ملوثة حولها.. نسجوا ألف حكاية عن جسدها البضّ، وثغرها الواعد، وتجلياتها فى الغرف المغلقة.. قالوا إنها فقدت شرفها، فقتلها أخوها ثأراً لشرفه.
ثم جاء تقرير الطب الشرعى ليؤكد أنها ماتت بكراً (!!).
ما هذا الشرف الرخيص الذى تغتاله النميمة على المقاهى، وتمضغه النساء كالعلكة على سبيل التسالى؟.. إذا كان الشرف ينهار بمجرد أن تُفتى «دار الإفتاء المصرية» بجواز ترقيع «غشاء البكارة» للمغتصبة والمغرَّر بها.. كما أفتت بجواز إجهاض المرأة المغتصبة، شريطة ألا تكون مدة الحمل قد تجاوزت أربعة أشهر.. لنجد الشرف مجرد «اختراع ذكورى» لفرض السلطة الأبوية ووصاية الأخ والزوج من بعده ليظل مستقبل الأنثى ودخلها وميراثها تتنقل من عصمة ذكر إلى عصمة الآخر.
لكن ما دام قانون العقوبات يعتبر أن المساس بالأعراض والأخلاق والدوافع المتعلقة بشرف الإنسان كفيلة بتخفيض عقوبة القاتل من الإعدام إلى 3 سنوات.. وما دامت الشبهات تختلط بالعادات والتقاليد بالحلال والحرام، فرأىُ الشرع ليس ملزماً لزوج يريد التخلص من زوجته أو أخ يريد القضاء على أخته (عدا حالات التلبس).
يشير تقرير أعدته الأمم المتحدة العام الماضى إلى أنه يقع سنوياً حوالى 5 آلاف شخص ضحايا لـ«جرائم الشرف»، أغلبهم من الإناث، فى المجتمعات التى تعيش وفق العادات والتقاليد المحافظة، فيُقتلن خنقاً أو حرقاً أو رجماً أو طعناً.
لا بد أن نعترف -إذن- بطغيان العرف على القانون، وبطش الذكر الذى لا يعتبر أنه يتجرد من شرفه إذا تقاضى رشوة، أو باع وطنه.. رغم أن بعض هذه الجرائم هى جرائم «مخلة بالشرف قانوناً» وبعضها الآخر يُفقده حقوقه السياسية.. فبقوة العرف الرجل لا يفقد شرفه بالزنى وهذا يكفى!
آن الأوان لـ«تأنيث مفهوم الشرف»، وأعنى تحرير جسد المرأة من تبعيته للرجل مثل جارية يشتريها أو يهديها أو يعاشرها أو يقتلها.. وهذا لن يتحقق إلا عندما تختفى كلمة «الدفاع عن الشرف» من قاموس الدفاع عن القتلة والمجرمين.. المساواة القانونية مدخل وحيد لتحريرها من قبضة الذكور وسطوة تجار الدين.
وهذا لا يعنى على الإطلاق فتح مزاد فتاوى الشرف، باختصار لأن ترقيع «غشاء البكارة» الذى أجازته «الإفتاء» فى بعض الحالات قد يتحول إلى عروس معيبة: «غش تجارى» فى الزواج! وبافتراض أنه «مغُرَّر بها» فقد دخلت فى علاقة جنسية كاملة وقد تكون متكررة، ونحن ندفعها دفعاً لتستغل رجلاً جديداً يمنحها اسمه وأولاده ويوفر لها الستر والأمان بينما هى تخدعه وتمنحه «عذرية زائفة»!
هذا اغتيال لفكرة «البكارة» فى عقول ووجدان الجميع: «المخطئة والمُغرَّر بها معاً» اغتيال للضمير الذى يفرض علينا الصدق والمكاشفة قبل الزواج.. «الستر» يا سادة لا يكون بقاعدة: «القانون لا يحمى المسالمين»!
البغىُّ ليست بحاجة لفتاواكم، والمغتصبة تعرف حقوقها، والبكر الرشيد أيضاً.. فلا تفتحوا سوقاً للأغشية المزوَّرة وتغلقوا أبواب الصدق.. المفروض أن تتغير ثقافة المجتمع ليصبح أكثر رقياً وإنسانية ليقبل بالمُغرَّر بها، وليس أن يتم ترقيع ثقافته وتدينه!
نقلا عن الوطن