يوسف سيدهم
يتواصل الحديث هذه الأيام حول معاناة الصحافة المطبوعة من جراء تراجع الإيرادات في مقابل تفاقم المصروفات, فالإيرادات التي تتمثل أساسا في
الإعلانات والتوزيع تعاني انكماشا في كلا المجالين, والمصروفات التي تتمثل أساسا في الطباعة والأجور تلهث وراء تضخم المجالين… وتبقي الصحافة المطبوعة أسيرة هذه الأوضاع الصعبة تجاهد لتحقيق التوازن المطلوب لتتمكن من الاستمرار, كما تظل رهينة هواجس تلاحقها, مؤداها أن الصحافة المطبوعة تشهد أفول عصرها وعزوف الكثير من قرائها عنها نحو الصحافة الإلكترونية.
والحقيقة أن تلك الهواجس ليست بعيدة عن الواقع المعاش, فما من شك أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الرقمية وأجهزة البث والاستقبال الإلكترونية جعلت من عملية تغطية ونقل الأحداث والأخبار عبر العالم كله عملية فائقة السرعة ومدعومة بالتغطية الحية بالصوت والصورة ومتزامنة مع وقوع الحدث, الأمر الذي تعجز عنه الصحافة المطبوعة بحيث تقف قاصرة متأخرة -علي الأقل فيما يخص الأحداث والأخبار- لدي وصولها ليد القارئ, ولا يتبقي لها من مجالات للتميز ولإشباع قرائها إلا تقارير ما بعد الخبر وتحليل ما وراء الحدث والحوارات والتوثيق التاريخي والدراسات المتعمقة, وهي المواد التي قد تستعصي علي الصحافة الإلكترونية التي تلهث علي مدار الساعة في تعقب الأحداث والأخبار أكثر من اهتمامها بالصحافة المعلوماتية.
ولعل ذلك هو التحدي الماثل أمام الصحافة المطبوعة إذا أرادت أن تستمر في الساحة ولا يأتي اليوم الذي تضطر فيه إلي وداع قرائها والاحتجاب.. فالصحافة المعلوماتية علاوة علي الصحافة المتخصصة فيها مساحة رحبة لتقديم وجبات شهية للقارئ, وذلك هو التحول الأساسي في دور الصحيفة إذا أرادت أن تحافظ علي موقعها وتحتفظ بقرائها وتحجز لنفسها مكانا في صحافة الغد.. كما أننا يجب أن ندرك أن ذلك التحدي وحده لا يكفي, فمن المحتم علي الصحيفة إذا أرادت الاستمرار أن تعد نفسها وكوادرها التحريرية لتأسيس وإطلاق نسختها الإلكترونية التي تنضم بها إلي أسرة الصحافة الرقمية ووسائل التواصل الحديثة خاصة أن ذلك يربطها بالفئات العمرية الشابة التي عزفت عن الصحافة المطبوعة.
بهذه الرؤية وتلك السياسة تستطيع الصحافة المطبوعة التقليدية تغيير واقعها والتأهل لامتلاك أدوات العصر الإلكترونية والتعامل مع المستقبل, وذلك المنحي من شأنه أن يجتذب إليها مستهلكين جددا, علاوة علي معلنين جدد بأمل أن تتمكن من تجاوز أزماتها في تراجع الإيرادات وتفاقم المصروفات. وحتي لو قدر للصحافة المطبوعة أن يأتي اليوم الذي تودع فيه قراءها وتحتجب, لن يكون ذلك إلا فيما يخص نسختها المطبوعة ولن يكون إسدال الستار علي رسالتها الإعلامية وتوجهاتها, بل ستستمر في أداء دورها الإعلامي وخدمة رسالتها بأدوات وآليات عصر حديث… عصر يتلو عصرا… وجيل يخلف جيلا.