حمدي رزق
يُعرف رسام الكارتون أو رسام الكاريكاتير بأنه يرسم الكارتون، بما فيه الرسومات والقصص المصورة، ويتميَّز الفنانون عن غيرهم بإمكانية التعبير عن أفكارهم وقصصهم ومشاعرهم عن طريق الرسم. الرسام أو الـ Cartoonist يملك ملَكات إبداعية تُمكِّنه من توصيل أفكاره ومشاعره عن طريق ريشة فى يده (قبل مستحدثات العصر الكومبيوترى).
مهنة عبقرية تفاعلية تهدف إلى إيصال الأفكار بطريقة إبداعية يفهمها الجمهور، تزدهر فى أجواء الحرية، وتناضل فى أجواء غير مواتية، ومعلوم أن الرسام يملك طرائق وأفكارًا على بساطتها عميقة التأثير.. الريشة تعرف طريقها جيدًا.
التعريف أعلاه روتينى لا يفى الفنان الكبير جمعة فرحات حقه من التقدير، فنان كبير وقدير، ونترحم على روحه الطيبة، اللهم ارحم مَن رحل عن هذه الدنيا ولم يبقَ سوى ذكره الطيب. الله يرحمه رحمة واسعة، إبداعيًا تجاوز الكبير جمعة فرحات هذا التعريف الروتينى، ريشة راقية معبرة ذات خطوط رصينة ذات عبق خاص، شخصيته الهادئة بارزة فى خطوطه.
ومواقفيًا يحمل ريشة مقاومة، صاحب قضية ومبدأ لم يَحِدْ عنه أبدًا، انحياز تام للطيبين، للقضية الوطنية، للقضية الفلسطينية، ضد الظلم، ضد البطش، ضد الاستبداد والاستغلال، ضد التبضع باسم الدين، ضد اللحى المستعارة، والأفكار المستوردة، ضد التعصب والتمييز.. خلاصته ريشة استثنائية، عصِيّة على الانكسار أو الانطواء. رحيل عمى جمعة فرحات خسارة فادحة لفن الكاريكاتير المصرى، فجيعة قاسية على نفوس تلاميذه وأحبائه وأصدقائه، فنان استثنائى، وهذا يقدره خلاصة المبدعين المصريين، بلغ العالمية، ورسوماته منقولة فى صحف دولية، تتزين بريشة فنان مصرى صاحب موقف ضد كل ما تمثله آلة العدوان الإسرائيلية من قمع ودمار واستيطان. استثنائية جمعة فرحات سياسيًا خبرناها فى مواقفه السياسية، التى لوّنت رسوماته بانحيازات وطنية وقومية، طول عمره صاحب موقف، والكاريكاتير عنده موقف، وكم كلّفته مواقفه من عنت كان يقابله بابتسامة هادئة ورسومات صاخبة.
وإنسانيًا قصة مؤثرة فى نفوس أجيال من الصحفيين تربوا على فنه فى مدرسة الكاريكاتير العريقة «روزاليوسف»، التى تخرج فيها أجيال وراء أجيال من الرسامين الكبار، وعلى الصفحة الأخيرة من «المصرى اليوم» ريشة «روزاليوسفية» مبدعة، ريشة الفنان «الصديق عمرو سليم»، أطال الله عمره وزاد من إبداعه، والعزاء لأسرة الكاريكاتير المصرى.. كل باسمه.
عمى جمعة ظل حافظًا لكتاب الكاريكاتير المصرى، وهو كتاب عظيم التأثير، كتاب سطوره نضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، سطوره من نور ونار، وكل ريشة قبس من نور، وريشة جمعة نور على نور، ما حل فى مكان إلا وأشاع البهجة والسرور.
ربنا خلق ناس ومنحها هدوء ورصانة وابتسامة تسكن طمأنينة فى القلوب، عمى جمعة كان يخترق القلوب بمحبة وحنّيّة، وانحيازاته الحياتية دومًا فى صف البسطاء، والمهنية فى ظهر الموهوبين، وفضله على كثير، وأنا منهم، لولاه فى مفصل مهنى لكان ما لم يكن، رحمة الله عليه، كان أخًا كبيرًا بما يحمله الأخ الكبير من قلب كبير.
نقلا عن المصري اليوم