كتب – محرر الاقباط متحدون
القى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية كلمة في تجنيز مثلث الرحمات نيافة الأنبا هدرا مطران أسوان .
بسم الآب والابن والروح القدس الإلة الواحد آمين، تحل علينا نعمته وبركته من الأن وإلى الأبد أمين
يعز علينا أيها الأحباء أن نودع على رجاء القيامة وفي أيام الفرح التي تحياها الكنيسة في عيد الصليب المجيد نودع أحد أعمدة الكنيسة في تاريخها المعاصر مثلث الرحمات نيافة الأنبا هدرا مطران أسوان وتوابعها ورئيس دير الأنبا باخوميوس بحاجر إدفو.
نودعه على رجاء القيامة ونستمع إلى قول الكتاب المقدس "طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ" (رؤ ١٤ : ١٣). نودعه ونحن في ملء الرجاء، أنه عاش بيننا وخدم وقدم لنا نموذجًا طيبًا للخادم الحقيقي، إنني أراه يقول مع بولس الرسول "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ." (في ١ : ٢١). لقد كانت حياته كلها من أجل المسيح منذ أن ولد في أسرته المباركه والأسرة الخادمة بالكنيسة ومنذ نعومة أظافره وصار مخدومًا فخادمًا وشماسًا ثم راهبًا وكاهنًا ثم أسقفًا ومطرانًا، فصارت كل حياته هي كما يقول بولس الرسول " لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ " وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم "إن كان الشهيد يموت مرة واحدة من أجل سيده، فالراعي يموت كل يوم من أجل قطيع سيده"، نيافة أنبا هدرا كان راعيًا بدرجة عالية وخدم في إيبارشية أسوان المباركة زمنًا طويلًا بكل ما فيها من آلامات وأفراح، وقدم لنا مثالًا جيدًا وطيبًا عن هذه الخدمة، منذ بداية حياته كان راهبًا وقورًا في دير السريان العامر والتحق بهذا الدير مبكرًا من ٥٠ عامًا تقريبًا سنة ١٩٧١ م وقد احتفلنا منذ شهور قليلة باليوبيل الذهبي لنيافته في الحياة الرهبانية وقيل في الاحتفال كلمات طيبة وكانت كلمة المتنيح نيافة الأنبا هدرا كلمة معبرة عن قيمة الحياة الرهبانية.
عاش في ذلك الدير ونهل من كل آبائه، ومن رئيس الدير المتنيح الأنبا ثاؤفيلوس وزامل آباء أحباء عاشوا الرهبنة في عمقها وفي النسكيات وبالحقيقة كانوا يقولون " لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ " ثم اختارته النعمة الإلهية ليكون أسقفًا لمحافظة أسوان وهي محافظة الجنوب وصار بهذه الصورة حارسًا لجنوب مصر، وبدأ فيها عملًا كبيرًا وواجه بعض المتاعب ولكن خدمته أثمرت ثمارًا كثيرة نفرح بها في الكنيسة.
وكان المتنيح البابا شنوده يفرح بها كثيرًا وزار هذه البلاد وافتتح الكاتدرائية الكبرى فيها على اسم الملاك ميخائيل وكانت ومازالت إيبارشية أسوان تمثل صورة هادئة للرعاية بكل آبائها وخدامها وخادماتها. وقدم مثلث الرحمات الأنبا هدرا الرعاية في أصولها لقد كان راعيًا ساهرًا ومهتمًا بإيبارشيته وكل من فيها وأقام علاقات طيبة للغاية مع كل المسئولين في المحافظة في المسؤوليات المدنية وغير المدنية والشعبية وكان صورة حلوة للخادم الذي يقدم الكنيسة للمجتمع، " لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ " عاش بهذه الصورة ونجح ولذلك نحن نحبه كثيرًا ونحبه كأحد آباء المجمع المقدس أيضًا في حضوره الهادئ الرزين والمتعقل في كلماته التي بحساب في حضوره وحكمته، إنه نموذج طيب افتقدناه كثيرًا، "لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ " والآن نسمعه يقول "وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ"، في الموت تنتهى كل الأوجاع، أوجاع الألم والهموم والمستشفيات والمرض، "ارْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ." (مز ١١٦ : ٧). في الموت هناك اللقاء بالحضرة الإلهية: "طوبى لمن اخترته يا رب ليسكن في ديارك" لقاء الحضرة الإلهية حيث السماء والأبرار والصديقين والذين عاشوا في القداسة والبر والتقوى والذين مجدوا بحياتهم على الأرض إله السماء، الموت هو ربح لأنه انتهاء لكل ألم ولأنه لقاء بالسماء. وأيضًا لأن الإنسان يحيا هناك في سعادة، كما في سفر يشوع بن سيراخ " لا تحسب أحدًا سعيدًا قبل موته" لا توجد سعادة حقيقية على الأرض السعادة الحقيقية في السماء، ولذلك نحن نقول عن الموت أنه ليس موتًا رغم أنه يحمل غموضًا شديدًا ويعتبر أحد أسرار الحياة البشرية إلا أنه انتقال " ليس موتًا لعبيدك بل هو انتقال" ويحيا هناك حيث وصف القديس بولس الرسول " «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»." (1 كو ٢ : ٩).
مثلث الرحمات نيافة الأنبا هدرا الذي نحبه كثيرًا ونحب فضائله وحياته وحضوره ونحب النموذج الطيب الذي قدمه لنا جميعًا، كان يخدم في إيبارشية أسوان ولكنه كان يكلف ببعض المسئوليات خارج أسوان سواء في بعض الإيبارشيات الأخرى أو خارج مصر وكان يتعامل مع هذه المسئوليات بالهدوء الشديد وبالحكمة وهذه الصورة جعلته راعيًا، لقد صار أسقفًا لأسوان عام ١٩٧٥ م وقدم في هذه المسئولية ٤٦ سنة يخدمها بكل أمانة راعيًا ساهرًا متضعًا حكيمًا، كل الأمور يحلها في هدوء، ولذلك أحبه ليس فقط شعبه بأسوان ولكن كل الذين تعاملوا معه سواء في مصر أو في خارج مصر، كان يزور كثير من الإيبارشيات وعلاقاته طيبة جدًا مع جميع الآباء المطارنة والأساقفة والأباء الكهنة والرهبان بدير الأنبا باخوميوس بحاجر أدفو، كل هذه الأمور تجعلنا نراه وهو يتركنا على الأرض ويفرح في السماء ويستمع للصوت "ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك" فهو يرجع الآن، داود النبي علمنا "غَرِيبٌ أَنَا فِي الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ." (مز ١١٩ : ١٩). هو يرجع إلى موضع راحته ويترك لنا سيرة عطرة ويقدم لنا نموذجًا يجعلنا نشكر الله أنه وضع خادمًا أمينًا يخدم بهذه الصورة الجميلة التي أحببناها جميعنا، خدم حوالي ٤٦ سنة وله في الرهبنة ٥٠ سنة وبالحقيقة حياته كلها "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ.".
باسم أعضاء المجمع المقدس الآباء المطارنة والأباء الأساقفة نقدم العزاء لأسرته المحبة للمسيح ولإيبارشيته المباركة ولكل الآباء الكهنة والخدام والخادمات والأسر وأيضًا نقدم العزاء إلى مجمع رهبان دير الأنبا باخوميوس بحاجر أدفو ولكل الذين أحبوه وتلامسوا معه وعرفوا قدره وفضائله ونموذج الحياة الذي قدمه لنا، نصلي إلى الله أن يسكنا أمام عرش النعمة ويعطينا دائمًا استعدادًا لهذا اليوم، وأن يعطينا الله السيرة الهادئة في حياتنا جميعًا، وأن نمجده في كل عمل صالح، وأن يكمل أيام حياتنا جميعًا بسلام.
إيبارشية أسوان التي لم يأتي منها أي مشكلة ونشكر الله سيكون مشرفًا عليها نيافة الأنبا باخوم أسقف سوهاج وتوابعها وسوف يكون نائبًا بابويًا هناك إلى أن يدبر الله حالها، نشكر الله ونشكركم جميعًا لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.