بقلم:يوسف سيدهم
من الأمور التي تدعو للعجب والغرابة وتكاد تنفرد بها مصرنا الحبيبة غياب مقياس الوقت في بعض الأمور الحتمية الملحة التي طال انتظارها… فالواقع المعاش يصرخ في طلب إصلاح تشريعي يفتح أبواب الأمل أمام حالات إنسانية بائسة يائسة, لكن ذلك الإصلاح لا يؤخذ بالهمة المستحقة, ويدخل في نفق طويل من التباطؤ والتسويف والأطراف المعنية بإتمامه تبدو غير عابئة بإلحاح وحتمية إتمامه وغير مكترثة بالحالات الإنسانية التي تحترق في انتظار الخلاص الذي يتيحه الإصلاح التشريعي.
هذا عينه ما حدث ومازال يحدث مع مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي يحتفل هذا الشهر بمرور سبع سنوات علي استحقاقه الدستوري, ونحو أربع سنوات علي بدء الرحلة المضنية لصياغة بنوده, وسنة علي تسليمه للحكومة, ومازال سيناريو اعتماده يتأرجح بين الكنيسة والحكومة توطئة لإحالته إلي مجلس النواب لمراجعته وإقراره.. تعالوا معي في رحلة التعرف علي مسار هذا القانون:
** جاء الاستحقاق الدستوري الذي ينص علي الحاجة الحتمية لهذا التشريع للقضاء علي عوار تشريعي استمر نحو ثلاثة أرباع قرن من الزمان في شأن الأحوال الشخصية للمسيحيين (1938-2014) بموجب المادة الثالثة من الدستور التي تنص علي: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية… وبزغ الأمل في إدراك هذا الاستحقاق عقب إقرار الدستور عام 2014
.
** لأن المسيحيين في مصر يتبعون الكنائس الثلاث الرئيسية: القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية, بدأت سلسلة طويلة من الاجتماعات التي جمعت اللجان المعنية بأمور الأحوال الشخصية من الكنائس الثلاث, واستغرق الأمر وقتا طويلا للاتفاق علي الصياغة المشتركة التي تتفق مع التشريعات الملائمة للأحوال الشخصية لأتباع كل كنيسة… حتي إنني كنت أتابع بشغف كل ما يتصل بهذا الأمر, وكتبت في هذا المكان بتاريخ 2018/10/24 أتساءل عن موقف مشروع القانون وسبب تأخر الإعلان عنه, ثم كتبت بعد نحو شهر بتاريخ 2018/11/18 لأحيط القراء علما بأن مشروع القانون مايزال في ملعب الكنيسة, ولم يكن يخفي فيما كتبت إحساسي بالإحباط إزاء انقضاء أربع سنوات دون أن يخرج مشروع القانون من مطبخ الكنيسة, لكني لم أكن أملك سوي الانتظار والصلاة من أجل الحالات العديدة التي يفتك بها الضياع واليأس وهي تتطلع إلي الخلاص المأمول بصدور القانون…
** عدت لأكتب في 2020/9/6 بمناسبة قرب انعقاد الدورة البرلمانية -وكانت أول دورة يشترك فيها البرلمان بغرفتيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ مستعرضا ملامح الأجندة التشريعية المرتقبة ومن بينها بطبيعة الحال مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين حيث سجلت أننا علمنا طبقا للمصادر الكنسية المسئولة أن صياغة مشروع القانون اكتملت في فبراير 2020 وجار الإعداد لإحالتها إلي مجلس الوزراء لتتولي الحكومة مراجعتها وتقديمها للبرلمان… وبالفعل تم الإعلان في 15 أكتوبر 2020 عن قيام ممثلي الكنائس الثلاث بتسليم مشروع القانون إلي رئاسة مجلس الوزراء تحت مسمي قانون الأسرة المصرية وهو يتضمن جميع المواد المشتركة التي وافقت عليها الكنائس الثلاث بالإضافة إلي المواد الخاصة بكل كنيسة حسب طبيعتها وخصوصيتها, وبحيث يطبق القانون حال صدوره علي مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بجميع المسيحيين المصريين.
** لم نسمع طوال انعقاد الدور التشريعي لمجلس النواب والشيوخ عما يفيد إحالة الحكومة لمشروع قانون الأسرة المصرية إلي البرلمان, وتم فض الدورة البرلمانية ليتأجل الأمل المعلق بالقانون إلي الدورة البرلمانية التي نحن بصددها والتي استهلت دور انعقادها الأسبوع الأول من هذا الشهر… وكان آخر ما توفر من معلومات رسمية في هذا الخصوص ما صرح به المستشار عمر مروان وزير العدل من أن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين خضع لمراجعات أخيرة بين اللجنة المشكلة من قبل الوزارة وبين ممثلي الكنائس الثلاث استمرت علي مدار ثلاثة أشهر, وعند الانتهاء من مراجعة جميع نصوصه واعتمادها سيحال إلي الحكومة ومن ثم إلي مجلس النواب لمراجعته وإقراره.
*** بعد هذا المسار الطويل المضني, هل لنا أن نتمسك بالأمل أن نري مشروع القانون تحت قبة البرلمان في هذا الدور التشريعي, وأن نتطلع إلي إقراره وإصداره لتنتهي رحلة طويلة جدا قاربت علي الثماني سنوات ما بين إقرار الاستحقاق الدستوري وبين استيفاء ذلك الاستحقاق في صورة تشريع معاش فاعل في حياة المسيحيين المصريين؟