د. ممدوح حليم
لاشك في أن الأنبا غريغوريوس هو اللاهوتي الأول الذي أنجبته الكنيسة القبطية في العصر الحديث، ولا شك في أن مكانته هذه حققها بدراساته وقراءاته وتدريسه ومثابرته على العلم والتعلم والتعليم.
كانت تحال إليه القضايا اللاهوتية ويمثل الكنيسة القبطية في المحافل الدولية والمؤتمرات والمجالس العلمية طوال فترة الستينات والسبعينات قبل أن تتغير القواعد والمقاعد في الكنيسة القبطية.
وخلال تدريسه لللاهوت بالكلية الأكليريكية، عمق دراسته للطلبة وأضاف فروعًا له لم تكن معروفة من قبل فيها مثل اللاهوت الأدبي وغيره.
لقد جمع بين اللاهوت والفلسفة. العلاقة بينهما وثيقة. تعتبر الفلسفة خادم لللاهوت حسب تعبير آباء الغرب. لعل الأنبا غريغوريوس الوحيد في العصر الحديث الذي جمع بين الاثنين، وهو في ذلك أحيا تيار آباء كنيسة الأسكندرية من علماء مدرستها اللاهوتية الذين تأثروا بالفلسفة اليونانية السائدة آنذاك. إن دراساته اللاهوتية وتخرجه من كلية الآداب قسم الفلسفة والدكتوراه التي حصل عليها من جامعة مانشستر بإنجلترا في اللغتين اليونانية والقبطية، كل هذا جعله نجمًا ساطعًا في سماء علماء اللاهوت والفلسفة، فالفلسفة مرتبطة باللغة اليونانية.
عالم اللغات
كان الأنبا غريغوريوس يتقن اللغة العربية اتقانًا، ومتبحرًا فيها بصورة يندر أن تجد قبطيًا مسيحيًا قد وصل إليها. كان عضوًا في مجمع اللغة العربية الذي يضم كبار فقهاء اللغة.
اتقن من اللغات الأوربية الحديثة الإنجليزية وقد حصل على الدكتوراه من إنجلترا، وكذلك الفرنسية، والألمانية إذ كان مشرف رسالته البروفيسور والتر تل من أصول ألمانية.
بعد أن تخرج من كلية الآداب، التحق بمعهد الآثار الذي يمنح درجة الماجستير في علم المصريات، وهناك اتقن اللغات المصرية القديمة الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية. كان يحث الأسر المصرية القبطية على تسمية أبنائهم وبناتهم بأسماء فرعونية، وقد استجاب البعض لهذه الدعوة.
كان أستاذًا كبيرًا في اللغتين اليونانية والقبطية إذ حصل على الدكتوراه في فلسفة الدراسات القبطية ، وكان موضوع رسالته الشاق هو: " الكلمات اليونانية في الاستخدام القبطي" الأمر الذي جعله من العلماء النادرين الذين يحملون درجة الأستاذية الأكاديمية في اللغتين في آن واحد.
وسيبقى اسم الأنبا غريغوريوس / القمص باخوم المحرقي/ د. وهيب عطا الله خالدًا في سماء معلمي وأساتذة وفلاسفة ولاهوتيّ الكنيسة القبطية عبر العصور . ونطلب من روحه المرتفعة في فردوس النعيم أن يصلي من أجلنا، وأن نحذو حذوه في درب العلم والمجد والقداسة.
( انتهت السلسلة، وقد كتبت في ذكرى مرور عشرين عامًا على رحيله في 22 أكتوبر الجاري)