Arnold J . Toynbe
( 1889- 1975 )


إعداد / ماجد كامل
 لعل من بين المؤرخين العالميين الذين أثروا الفكر العالمي ؛ ولعبوا دورا  كبيرا في دراسة تاريخ الفكر والحضارة ؛ يأتي ذكر الفيلسوف الانجليزي الشهير أرنولد توينبي ( 1889 – 1975 ) فهو يعتبر واحد  من أشهر المؤرخين وفيلسوفي التاريخ الذين ظهروا في القرن العشرين ؛ أما عن  أرنولد توينبي نفسه ؛  فاسمه بالكامل " أرنولد جوزيف توينبي " Arnold J .Toynbe  ولد في لندن يوم 14 أبريل 1889 ؛ وتلقي تعليمه الأولي في مدارس لندن  من عائلة مثقفة يعمل معظم أفرادها بمختلف ميادين العلم والثقافة ؛ والتحق بعدها بجامعة  أكسفورد حيث تخصص في اللغات اليونانية واللاتينية ؛ وتقلد عدة مناصب بعد التخرج منها :-

1-أستاذ الدراسات اليونانية والبيزنطية بجامعة لندن .
2-مدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية .
3-عمل مراسلا لمانشتستر غارديان حلال فترة الحرب اليونانية التركية .
4-انتخب زميلا في الأكاديمية البريطانية .
4- أنتخب أيضا زميلا في الأكاديمية الوطنية للعلوم الإنسانية والإجتماعية .
ولقد ظل يعمل في حقل التدريس والكتابة وإلقاء المحاضرات حتي توفي في 22   أكتوبر 1975 عن عمر يناهز 86 عاما تقريبا .

ولقد أثري الفيلسوف والمؤرخ الكبير المكتبة التاريخية والفلسفية بالعديد والعديد من الكتب والمراجع القيمة نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل إليه :-

1-مختصر دراسة التاريخ ( وهي موسوعة ضخمة في 12 مجلدا ؛ وسوف يكون لنا عودة تفصيلية إليها بعد الانتهاء من عرض قائمة مؤلفاته ) .
2-الإنسان وهموم الموت بالإشتراك مع آخرين ( وقد صدرت له ترجمة عربية لعزت شعلان ) .
3-الفكر التاريخي عند الأغريق من هومر إلي هيراكيل ( وقد صدرت له ترجمة عربية قام بها لمعي المطيعي وراجعها الأستاذ الدكتور محمد صقر خفاجة ) .
4-تاريخ البشرية ( وقد صدرت له ترجمة عربية  قام بها الدكتور نقولا زيادة ) .
5-تاريخ الحضارة الهلينية ( وقد صدرت له ترجمة عربية  قام بها رمزي جرجس وراجعها الدكتور محمد صقر خفاجة ؛ وقد صدرت لها ترجمة  طبعة خاصة عن مكتبة الأسرة عام 2003 ) .
6-الوحدة العربية آتية ( من النيجر إلي النيل ) .
7-الحضارة في الميزان :- ترجمة أمين محمود الشريف وراجعها دار  إحياء الكتب العربية .
8-الإسلام والغرب والمستقبل :- ترجمة نبيل صبحي ؛ وصدرت في بيروت .
9- محاضرات أرنولد توينبي ؛ وقد ألقاها أثناء زيارته للقاهرة في ديسمبر 1961 ؛ وطبعت في الدار القومية للطباعة والنشر .
10-الحضارة في التاريخ :- وترجمها أحمد عصام الدين ؛ وصدرت عن جامعة الدول العربية عام 1964 .
11-العالم والغرب :- وترجمتها نجدة هاجر ؛ وصدرت عن المكتب التجاري للطباعة والنشر ببيروت عام 1060 .
أما عن موسوعته الكبري " دراسة التاريخ " فهي موسوعة شاملة صدرت في أثني عشر مجلد ؛ وظل يكتب فيها لمدة 41 عاما ؛
 ولقد تتبع توينبي في هذه الموسوعة دراسة 19 حضارة كبري هي  - طبقا لتقسيم توينبي – هي :-  
( المصرية القديمة – الأنديز – الصينية – المينوسية – السومرية – المايا – الهندية – الحثية – اليونانية – الغربية – المسيحية الأرثوذكسية في روسيا – الشرق الأقصي – المسيحيون الأرثوذكس – الفارسية – العربية – الهندوسية – المكسيكية – اليوكاتية – البابلية ........ الخ ) .

وتنقسم الموسوعة إلي المجلدات التالية :-
1-المجلد الاول :- مقدمة جينات الحضارة ؛ الجزء الأول .
2-المجلد الثاني :- جينات الحضارة ؛ الجزء الثاني .
3-المجلد الثالث :- نمو الحضارات .
4-المجلد الرابع :- انهيار الحضارات .
5-المجلد الخامس :- تفكك الحضارات ؛ الجزء الأول .
6-المجلد السادس :- تفكك الحضارات ؛ الجزء الثاني .
7-المجلد السابع :- الدول العالمية ؛ الكنائس العالمية .
8-المجلد الثامن :- العصور البطولية :- اتصالات بين الحضارات ( الجزء الاول ) .
9-المجلد التاسع :- اتصالات بين الحضارات ( الجزء الثاني ) .
10-المجلد العاشر :- إلهام المؤرخين ؛ ملاحظة علي التسلسل الزمني.
11-المجلد الحادي عشر :- الأطلس والمعجم التاريخي .
12- إعادة النظر .

ولقد قام  المترجم محمد فؤاد شبل بتجميع  وترجمة الموسوعة في أربعة اجزاء فقط  .  وراجع الترجمة الدكتور محمد شفيق غربال ؛ وقدم للترجمة الأستاذ الدكتور عبادة كحيلة ولقد صدرت منها طبعة خاصة ضمن سلسلة " ميراث الترجمة " الصادرة عن المركز القومي للترجمة  .

ولقد قدم الأستاذ الدكتور اسحق عبيد تاوضروس ( أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية ) دراسة رائعة عن فكر توينبي ومنهجه في دراسة التاريخ ؛ وعرضها في كتابه القيم " معرفة الماضي من هيرودت إلي توينبي "  ولخصها في النقاط التالية :-
1-يقسم الكاتب مادته التاريخية إلي وحدات يطلق علي كل منها لفظ " مجتمع " وهي تتمثل عنده في " مجتمع أوربا المسيحي – مجتمع الشرق المسيحي البيزنطي – مجتمع العالم الإسلامي – المجتمع الهندوكي – مجتمع الشرق الأقصي ) .


2-هناك ايضا مخلفات متحجرة لمجتمعات قد بادت منها النساطرة ؛ والمجتمع اليهودي ؛ وحدات متنوعة من البوذيين في الهند .
3-يري الكاتب في الاختلافات والعلقات بين هذه الحضارات الخمس اختلافات مسكونية ؛ بينما يطلق علي الاختلافات في داخل اطار الحضارة الواحدة ؛ اختلافات ابروشية أو داخلية .
4- أن حقل الدراسة التاريخية متسع للغاية ولا حدود له ؛ وعلي المؤرخ الموضوعي أن يستبصر ويميز الوحدات الحضارية ويقوم بدراسة العلاقات بينهم .

( لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة كتاب اسحق عبيد السابق ذكره ؛ صفحتي 120 ؛ 121 ) .
ولعل الفكرة الجوهرية التي  تقوم عليها نظرية توينبي هي  نظرية " التحدي والاستجابة " Challenge and Response  ؛ فالحضارة تولد في البيئات التي تتيسر فيها ظروف المعيشة للإنسان ؛ فحضارة مصر الزراعية ليست هبة من النيل بقدر ما هي حصيلة جهد الإنسان المصري الذي أقام الجسور وروض النيل وحطم الأبراج وأقام المقاييس ورصد النجوم وتوصل الي حسابات السنة الشمسية وتقاويمها  ( لمزيد من التفصيل راجع نفس المرجع السابق ؛ صفحة 127 ) .


فالرأي عند توينبي كلما زاد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة ؛ ويشرح حسين مؤنس نظريته بطريقة أخري هي أن حياة كل أمة هي استجابة لتحدي الظروف التي وجد فيها ؛ ؛ فكل مخلوق حي يجد نفسه بمجرد خلقه أمام عوامل تعمل علي فنائه والقضاء عليه ؛ فما من حيوان إلا وله أعداءه علاوة علي ظروف المناخ والغذاء وهي ليست دائما مواتية . وعند دراسة توينبي للحضارات ؛ وجد أن المجموعات البشرية تقودها مجموعة من القادة وأصحاب الفكر  ؛ وهؤلاء هم الذين يقودون الجماعة في استجابتها للتحدي ويحددون نوع هذه الاستجابة بحسب ملكاتهم ؛ والاستجابة هنا ابتكارية أو إبداعية Creative Response وتقدم الأمم وصعودها مرهون بمدي وجود هؤلاء القادة ؛ ويعطي توينبي نموذجا لهؤلاء القادة الذين أخذوا بيد الجماعة مثل ( القديس بولس الرسول – القديس بندكت – بوذا -  داود النبي – يوليوس قيصر – صولون الأثيني – بطرس الأكبر – لينين – غاليبردي .... الخ )   ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع حسين مؤنس :- التاريخ والمؤرخون ؛ صفحة 178 ) .

 أما أسباب  انهيار الحضارات عند توينبي ؛ يلخصها أسحق عبيد في النقاط التالية :-
1-فقدان الانسجام بين عناصر مكوناتها ؛ مما يترتب عليه فقدان القدرة علي تحديد المصير .
2-القلة التي اتسمت بالخلق واستجابت للتحديات القديمة ؛ تجد نفسها أقل قدرة علي مواجهة التحديات الجديدة . وهنا قد تظهر قوة جديدة تستطيع مواجهة التحدي الجديد .

3-من عوامل انهيار الحضارات أيضا عند توينبي هي ازدياد طبول دق الحرب  علي نفوس أبناء المجتمع ؛ مما يؤدي ذلك الي  انهيار الحضارة ؛ ويضرب مثالا علي ذلك من واقع سجلات الأشوريين ( القرن السابع ق . م ) ومن سيرة شارلمان وتيمورلنك وغيرهما كثير .
4-الشعور الوهمي بسكرة النصر ؛ مما يدفع المنتصر الي تجاوز كل الحدود وتجاوز صلاحياته أو قدراته ؛ مما يؤدي الي خراب المدينة ؛ ولقد ضرب أمثلة علي نظريته تلك من خلال حياة بعض القادة .

5-وبعد الانهيار يأتي الاحتضار ؛ مما يدفع الي ظهور الفلسفات الانهزامية  ؛ مما تظهر مظاهره في ظهور الغث  والسوقية في الأدب  الفن والموسيقي والمسرح ( راجع الفقرة بالكامل في :- اسحق عبيد ؛ مرجع  سبق ذكره ؛  الصفحات من 136- 140 ) .   

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-اسحق عبيد تاوضروس :- معرفة الماضي من هيردوت إلي توينبي ؛ دار المعارف ؛الطبعة الأولي 1981 ؛ الصفحات من (120- 146 ) .
2-آليان . ج . ويد جري :- التاريخ وكيف يفسرونه من كنفوشيوس إلي توينبي ؛ ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛  سلسلة الألف كتاب الثاني ؛ الكتاب رقم 222  ؛ الصفحات من 168- 181 .
3-حسن فوزي :-        التاريخ والمؤرخون ؛  دراسة في علم التاريخ ؛ دار المعارف ؛ 1984 .                                   ؛ الصفحات من  176- 183 .
3- د . السيد أمين شلبي :- مؤرخ الحضارات أرنولد توينبي الذي أنصف الحضارات الشرقية ؛ دورية شئون عربية ؛ ديسمبر 2020 .
4-رشيد الحاج صالح :- توينبي ونظرية التحدي والاستجابة ؛ مجلة البيان ؛ 16 أكتوبر 2011 .