الأنبا إرميا
استكملت المقالة السابقة الحديث عن «المستعلى بالله» وزحف «الفرنجة» نحو الشرق فى عهده، ثم تولى «الآمِر بأحكام الله» (٤٩٥- ٤٢٥ هـ) (١١٠١- ١١٣٠ م) شؤون الحكم بعد وفاة أبيه «المستعلى بالله»، الذى فى أيامه استمر استيلاء «الفرنجة» على عدد كبير من المدن فى الشرق، وتوجههم صوب «مِصر»، فدخلوا «الفرَما»، لكنهم لم يصلوا إلى «العريش».
وقد ذُكر عن «الآمِر» أنه لم يقاوم «الفرنجة» على الإطلاق فقيل عنه: «كان فيه تهاون فى أمر الغزو والجهاد حتى استولت «الفَرنَج» (الفرنجة) على غالب السواحل وحصونها فى أيامه، وإن كان وقع لأبيه «المستعلى» أيضًا ذلك وأُخذ «القدس» (بيت المقدس) فى أيامه فإنه (أى «المستعلى») اهتم لقتال «الفرنج» وأرسل «الأفضلَ بن بدر الجمالىّ»، أمير الجيوش، بالعساكر، فوصلوا بعد فوات المصلحة بيوم.. بخلاف «الآمر» هذا: فإنه لم ينهض لقتال «الفرنج» البتة، وإن كان أرسل مع الأسطول عسكرًا فهو كـ«لا شىء»!!.
وقد وقعت عدة أحداث فى أيام «الآمِر»، منها: زلزلة عظيمة فى «بغداد»، سنة ٥١١ هـ (١١١٧ م)، من جرّائها تهدمت المنازل على ساكنيها ومات كثيرون. ثم كان أن تُوُفِّى الخليفة العباسىّ «المستظهِر بالله» سنة ٥١٢ هـ (١١١٨ م)، بعد أن حكم خمسة وعشرين عامًا، وتولى الخلافة من بعده ابنه «المسترشِد». وفى سنة ٥١٣ هـ (١١١٩ م)، نشِب خلاف شديد بين «الآمِر» ووزيره «الأفضل»، ابن أمير الجيوش، فيذكر «ابن التَّغرىّ»: «... واحتجب «الآمِر» عنه (عن «الأفضل») وتعلل بمرض. واجتهد «الأفضل» أن يغتاله بالسُّم فلم يقدِر، ودس السُّم إليه مِرارًا فلم يصل إليه.
وكان «للآمر» قهرمانة (مدبرة بيت)، كاتبة فاضلة، تعرف أنواع العلوم: الطب والنجوم والموسيقى، حتى كانت تعمل التحويلات: (ربما يعنى تحويلات الأرض: فتُزرع حَوْلا، أى سنةً، ولا تُزرع أخرى لإراحتها)، وتحكم على الحوادث (ذات حكمة وبعد نظر وجودة فى التصرف)، فـاحترزت على «الآمِر» (حرسته وواقته من «الأفضل»)، ولاتزال تدبر على «الأفضل» ابن أمير الجيوش حتى قُتل...». وكان قتل «الأفضل» سنة ٥١٥ هـ (١١٢١ م)، بعد أن اتفق «الآمِر» مع جماعة على الفتك به أثناء سيره دون موكب، ثم استوزر «المأمون أبا عبدالله بن البَطائحىّ» الذى أخذ يظلم ويسىء فى الحكم حتى قبض عليه «الآمر» سنة ٥١٩ هـ (١١٢٥ م)، وصادر أمواله، ثم قتله سنة ٥٢٢ هـ (١١٢٨ م).
وفى سنة ٥٢٤ هـ (١١٣٠ م) اغتيل «الآمِر بالله»، فيذكر المؤرخون أنه قُتل وقت خروجه يومًا من «القاهرة» إلى جزيرة «الروضة»: فيذكر «الذهبىّ»: «خرج من (القاهرة) يومًا فى ذى القعدة، وعدى على الجسر إلى الجزيرة، فكمَن له (تخفَّى فى مكمن لا يُفطن له) قومٌ بالسلاح، فلما عبَر نزلوا عليه بأسيافهم، وكان فى طائفة يسيرة (قليلة)، فردُّوه إلى القصر وهو مُثْخَن بالجراح (واهن من كثرتها)، فهلك من غير عقب...»، كما يذكر «أبوالمظفر»: «خرج من (القاهرة)، وأتى إلى الجزيرة وعبَر بعض الجسر، فوثب عليه قوم فلعِبوا عليه بالسيوف.. فحُمل فى مركب إلى القصر فمات فى ليلته».
وقد ذكر بعض المؤرخين أن غِلمان «الأفضل» هم من قتلوا «الآمِر»، فى حين يظن بعض آخر أنهم جماعة من «النزارية»: فيذكر «ابن التَّغرىّ» أن «الآمر» كان مطلوبًا من جماعة من أعوان «نزار» (عمِّ «الآمِر») الذى قُتل بيد أبيه «المستعلى» بعد معارك «الإسكندرية» - التى ذُكرت سابقًا - بسبب اغتصاب «المستعلى» ثم «الآمِر» للخلافة. وقد وصلت «الآمِر» أخبار أن هناك جماعة من «النزارية» وصلوا إلى «القاهرة» يريدون قتله، فتربصوا به حين عبوره الجسر مع جماعة قليلة من حرسه الخاص لضيق الجسر، فقابلوه وطعنوه طعنات عديدة أودت بحياته، فى حين قُتل من طعنوه.
أمّا عن سيرة «الآمِر»، فقد ذكر «أبوالمظفر»: «وكانت سيرته قد ساءت بالظلم والعسف (العنف والغصب) والمصادرة (الاستيلاء).. وابتهج الناس بقتله»، كما ذكر «شمس الدين بن خَلِّكان»: «وكان «الآمِر» سيئ الرأى، جائر السيرة (ظالم)، مستهترًا، متظاهرًا (متفاخرًا) باللهو واللعب.. وكان قبيح السيرة، ظلم الناس وأخذ أموالهم، وسفك الدماء، وارتكب المحظورات، واستحسن القبائح، وابتهج الناس بقتله»، وتولى الحكم من بعده «الحافظ لدين الله». و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم