د. نادر نور الدين محمد
مع الأضرار العديدة لتغيرات المناخ بسبب زيادة الانبعاثات الغازية من الصناعة والنقل وتوليد الكهرباء والزراعة، بدأ العالم يتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وهو الاقتصاد قليل الانبعاثات الغازية، والذى لا يتسبب فى الاحتباس الحرارى داخل كوكب الأرض بعكس حرارة كوكب الأرض إلى داخلها مرة أخرى بدلًا من السماح بخروجها إلى الفضاء الخارجى بسبب تراكم جزيئات غازات أكاسيد الكربون بشكل أساسى ومعه غازات أكاسيد النتروجين والكبريت والأوزون وغازات أجهزة التبريد من الهيدروكلوروكربون وغيرها من باقى الأنواع التسعة التى تراكمت فى سماء كوكب الأرض ومنعت الحرارة من الخروج خارجه. وعلى الرغم من أن قطاع الصناعة بمرفقاته من توليد الكهرباء والنقل والمواصلات مسؤول عن نحو 61% من الانبعاثات الغازية لكوكب الأرض، وأن قطاع الزراعة مسؤول فقط عن 31% من تلك الانبعاثات إلا أن قطاع الصناعة يساهم فى الاقتصاد العالمى بأكثر من 25% بينما لا يشارك قطاع الزراعة إلا بنحو 4% فقط بما جعل الزراعية نسبيًا أكثر انبعاثًا لغازات الاحترار العالمى من الصناعة لقلة عائدها على الاقتصاد العالمى.
ويشمل الاقتصاد الأخضر قليل الانبعاثات الغازية التحول فى وسائل النقل إلى القطارات والمترو والسيارات التى تعمل بالكهرباء والطاقة الشمسية، ثم يأتى بعدها الغاز الطبيعى، وأيضًا توليد الكهرباء من الوسائل النظيفة معدومة الانبعاثات الغازية مثل مساقط المياه والرياح وأشعة الشمس وطاقات جوف الأرض والمد والجزر، ثم الغاز الطبيعى، مع التوقف تمامًا عن توليدها من الفحم والمازوت والسولار وكل أنواع الوقود الحفرى. هناك أيضًا تحويل أجهزة تكييف المنازل والسيارات إلى تلك التى تستخدم الغازات صديقة البيئة وليس غازات الهيدروكلوروكربون ومشتقاته، مع استخدام النوافذ العالية والعريضة داخل الغرف والمبانى السكنية والتى تسمح بدخول أكبر قدر من الإضاءة الطبيعية.
.. وبالتالى تقلل من استخدام الإضاءة بالكهرباء وتقلل من إنتاج الكهرباء وما تسببه من انبعاثات. أيضًا استخدام المصابيح المزودة بالحساسات لوجود البشر فى الهيئات والمصالح والفنادق والتى تفصل عند عدم وجود أفراد لتقليل استهلاك الكهرباء. هناك أيضًا مراعاة كود المبانى الحديثة ذات الأسقف المرتفعة، والتى تسمح بتدوير الهواء داخل الغرف وتقلل من استخدام أجهزة التكييف سواء التبريد أو التسخين ومعها الحوائط العازلة.
هناك أيضًا الاهتمام بالمدن بيئيًا، خاصة فى السياحة التى تعتمد على توليد الكهرباء بالطرق النظيفة، وأن تكون الانتقالات فيها بالسيارات التى تعمل بالكهرباء وأشعة الشمس، ولا يوجد بها أى مصدر للتلوث أو انبعاثات الغازات حتى فى الزراعة التى يُفضل أن تكون أورجانيك ولا تُستخدم فيها المبيدات ولا الأسمدة الكيميائية. أما فيما يخص تخضير الزراعة أو الزراعة الخضراء، أى تحولها إلى زراعة نظيفة، وهى لا ترتبط بلون الزروع ولكن المقصود بها أنها قليلة الانبعاثات الغازية وتتلافى كل سبل الانبعاثات من القطاع الزراعى، وأيضًا تجهيز الترب الزراعية بحيث تكون حوضًا كبيرًا لامتصاص الكربون والاحتفاظ به ومنعه من الخروج إلى الهواء والبيئة المحيطة. فالزراعة الخضراء لا تحتوى على برك ومستنقعات وحتمية ردمها ومعها برك القرى المنتشرة بين الزراعات سواء للبط أو لسباحة الأطفال، مع إحاطة كل القرى والمدن الجديدة بالأشجار الضخمة التى تمتص كميات كبيرة من غاز ثانى أكسيد الكربون وتطلق غاز الأكسجين بدلًا منه، وبالتالى تكون الفائدة مزدوجة. ومن ضمن أساليب الزراعة الخضراء قليلة الانبعاثات الغازية وضع الأسمدة العضوية على أعماق أكبر من التربة حتى لا تطولها أشعة الشمس وتحولها بالحرارة إلى أكاسيد كربون ونتروجين وكبريت، والتى تزيد من الاحتباس الحرارى، مع تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية والمبيدات التى تتطاير أجزاء كبيرة منها فى الهواء مسببة انبعاثات غير مرغوبة. يضاف إلى ذلك تغطية الترب الزراعية المزروعة بمخلفات الحشائش السابقة والجافة أو بالأغطية والمشمعات البلاستيكية لمنع انبعاثات الغازات من التربة وتقليل نمو الحشائش وحماية الكربون العضوى لكى يظل مُخزنًا فى التربة، مع تجريم حرق المخلفات الزراعية، وإعادة تدويرها لإنتاج الأسمدة العضوية الطبيعية المفيدة والتى تعيد العناصر الغذائية التى استهلكتها هذه المخلفات إلى التربة مرة أخرى.
هناك أيضًا منع إزالة الغابات لأنها تمتص نحو 25% من الانبعاثات الغازية على كوكب الأرض بل والعمل على زيادة مساحة الغابات دوريًا، وفى حالة الاضطرار إلى إزالة مساحات من الغابات يتم تعويض كل شجرة بزراعة شجرتين فى مكان آخر قريب. أيضًا منع تحويل استخدامات الأراضى بتحويل مساحات من المراعى والمروج الطبيعية والغابات إلى زراعات اقتصادية من القمح والشعير والفول والذرة وغيرها أو البناء عليها، لأن أثر هذه الخضرة الدائمة فى امتصاص الانبعاثات الغازية أكبر كثيرًا من أثر الحاصلات الاقتصادية المؤقتة، والتى يتم حصادها وتجعل الأرض خالية من المزروعات لمدد قد تصل إلى ثلاثة أشهر سنويًا. تبقى أيضًا مسألة اجترار الحيوانات المجترة من جاموس وأبقار وأغنام والتى تطلق كميات كبيرة من غاز الميثان أثناء عملية الاجترار ومعها أيضًا مزارع الأرز والمستنقعات والأراضى المغمورة بالمياه والتى ينبغى التعامل معها بطرق حديثة لتقليل الانبعاثات من غاز الميثان عالى الاحترار، وفى نفس الوقت الحفاظ على التنوع الإحيائى فى المستنقعات والبرك واللاجونات الضخمة. وأخيرًا هناك منع إلقاء الملوثات والمخلفات فى البحار والمجارى المائية أو فى الصحارى، والاهتمام بإدخال الصرف الصحى إلى القرى والمنازل لمنع تخمراتها وأضرارها العديدة، ومنع الطهى والإنارة على المخلفات الخشبية والأشجار والتحول إلى استخدام الطاقات النظيفة أو تحويل هذه المخلفات إلى بيوجاز يُستخدم فى الطهى والإنارة.
الطاقات والصناعات النظيفة وتخضير الزراعة Greening Agriculture من أهم السياسات العالمية الحالية لمنع الاحتباس الحرارى والاحترار العالمى والحفاظ على البيئة.
ملحوظة: عائد النظافة ليس من الاشتراكات فقط ولكن أيضًا من تصدير كميات كبيرة منها إلى الصين، ومن إعادة تدوير وتصنيع الزجاج والبلاستيك والكرتون والأوراق، وتحويلها إلى سماد عضوى يُباع للمزارع الجديدة، ومن تربية الخنازير عليها.
الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
Nadernour@hotmail.com