يوسف بطرس كرم: المفكر ومؤرخ الفلسفة(1886-1959م)
ارتبط اسم يوسف بطرس كرم بالتاريخ للفلسفة التي وهبها عقله وحياته. لقد أحب الفلسفة واخلص لها وسافر الى أوروبا والتحق بجامعة السوربون Sorbonne University ليدرس بها دراسة متأنية؛ وبعدها عاد الى مسقط رأسة مصر ليدرس الفلسفة، ويكتب تاريخها ويعيش راهبًا في محرابها ليترك لنا الكثير من تجاربه وفكره فمن هو يوسف بطرس كرم ؟
يوسف كرم هو مفكرٌ ومؤرخٌ وفيلسوفٌ مصري، أضاءَ غُرَّةَ التاريخِ الفلسفيِّ بمذهبِه العقلي؛ وشغلَ مَنْزلةً مرموقةً بينَ المثقفينَ المصريين، واضطلعَ بمهمةِ دراسةِ الفكرِ الفلسفيِّ الغربي؛ فلم يتركْ حِقبةً في تاريخِه إلا وكتبَ عنها، وهو يُعدُّ واحدًا من أبرزِ مؤسِّسي الفكرِ الفلسفيِّ في الوطنِ العربي.
وُلِدَ يوسف في مدينةِ طنطا في(8 دديسمبر ١٨٨٦م)؛من أبوين مسيحيين نزحوا من لبنان واستوطنا، وفي عام 1893م بالقسمِ الابتدائيِّ بمدرسة "سان جورج" بمدينة طنطا- محافظة الغربية وحصل على الشهادة الابتدائية .والتحق بالقسم الثانوى بالمدرسة ذاتها وحصل على شهادة البكالوريا عام 1902م، ثم تركها ليلتحق بمدرسة القديس لويس بذات المدينة. وفي بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) سافر كرم الى باريس ليدرس الفلسفة وحصل على دبلوم الدراسات العليا من السوربون عام 1917م.
قبل أن يسافر كرم إلى باريس لدراسة الفلسفة عمل موظفًا بالبنك الأهلي فرع طنطا، وبقيام الحرب العالمية الأولى ترك هذه الوظيفته ليدرس الفلسفة فى باريس، وعقب حصولة على الشهادة من السربون عين مدرسًا للفلسفة فى مدرسة ثانوية فى فرنسا، وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بدأ يفكر فى عودة الى مصر وعاد فعلا 1919م.
و بعد ذلك عادَ إلى مصرَ عامَ ١٩١٩م، حيثُ طلَبَ منه الدكتورُ طه حسين أن يُعلِيَ لواءَ الفلسفةِ بتدريسِه لها في الجامعاتِ المصرية، واستجابةً لذلك المَطْلبِ عمِلَ أستاذًا للفلسفةِ في جامعتَيِ القاهرةِ -جامعة فؤاد الاول- والإسكندرية. وقد أثرى كرم حقلَ الدراساتِ الفلسفيةِ بالعديدِ مِنَ المؤلَّفاتِ التي انقسمتْ إلى قسمَين: مؤلَّفاتٍ في الفلسفةِ التاريخيةِ مثل «تاريخ الفلسفةِ اليونانية» و«تاريخ الفلسفةِ الحديثة»، ومؤلَّفاتٍ فلسفيةٍ مثل «الطبيعة وما بعدَ الطبيعة»، و«العقل والوجود». وفي ذات الوقت كان يكتب فى مجلة " السياسة الاسبوعية عام 1930م.
وليوسف كرم العديد من المؤلفات نذكر منها تاريخ الفلسفة اليونانية 1936م، وتاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط 1946م، ودروس في تاريخ الفلسفة 1946م،وتاريخ الفلسفة الحديثة 1949،والمعجم الفلسفي ودروس في تاريخ الفلسفة وهما بالاشتراك مع الدكتور إبراهيم بيومي مدكور. وأيضًا العقل والوجود1956م؛ وأهمية هذا الكتاب فى أنة يشرح فية مذهبه العقلى المعتدل الذي يؤمن بالعقل ويؤمن بالوجود وبقدرة العقل على تعقل هذا الوجود، والطبيعة وما وراء الطبيعة 1959م، وكذلك دراسات منها دروس في ديكارت وصدرت عام 1937م، وترجم الأحكام التقويمية عام 1929م من فرنسية الى العربية.
ويرى يوسف كرم أن مؤرخ الفلسفة هو فيلسوف، وقد دافع عن العقل دفاعًا كبيرا،وهذا موقف فلسفى بالدرجة الأولى. وقد عقدت لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة لتكريمه وصدرت في كتاب ضخم يحمل بعنوان«يوسف كرم مفكرا عربيًا ومؤرخًا للفلسفة"» وتناول فية العديد من أصدقائه جوانب متنوعة تعالج فكره، ومن جملة من تناولو هذه الجوانب الدكتور مراد وهبة الذي وصفه بــ « الفيلسوف العقلي المعتدل»، وقدم الدكتور بيومي مدكور دراسة في هذا الكتاب بعنوان «يوسف كرم مؤرخ الفلسفة » عالج من خلالها قضايا فلسفية آخرى وقضايا فلسفية قائمة بذاتها كالطبيعة وما بعد الطبيعة والعقل والوجود وبذلك يكون الدكتور مدكور قد أضفي حقي الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة على يوسف بطرس كرم. وقد قالَ عنه صديقُه الدكتورُ محمد يوسف موسى: «إنه يتطلَّعُ من صميمِ ذاتِه للعودةِ إلى اللهِ خالقِه، وكلُّ الفلسفاتِ التي تتنكَّرُ لهذا يَراها مُصابةً بالعُقمِ الذي كان مصيرَها على مرِّ الأجيال.»
على أية حال، عاش يوسف كرم حياة متواضعة، فقد كان فقيرا، وكانت حياتة كحياة الفيلسوف ولم يتزوج وعاش مع اختة يكتب ويفكر بانتظام، لقد ولد فقيرا ، وعاش فقيرا ،ومات كذلك فقيرا. ففى بيتة المتواضع رحل يوسف كرم يوم الخميس(28 مايو 1959م) مخلِّفًا وراءَهُ تُراثًا زاخرًا بالعطاءِ الفلسفيِّ والفكري.