تسابق معظم دول العالم في وقتنا الحالي الزمن للحد من ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية، وهو المستوى الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرًا، ولكن ماذا سيحدث لو ارتفعت أكثر من ذلك؟
وحسب "رويترز"، يقول العلماء إن تجاوز مستوى 1.5 درجة يمثل مجازفة بإطلاق تداعيات أشد قسوة في التغير المناخي على البشر والحياة البرية والنظم البيئية.
وتناقش الدول والعلماء في قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة في جلاسجو والتي بدأت فعالياتها في أول نوفمبر الجاري، وتستمر لمدة 12 يومًا، محاولة تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف تقريبا بحلول 2030 عن مستواها في 2010 وخفضها إلى الصافي الصفري بحلول 2050.
والسؤال الذي يراود الكثيرين الأن، ماذا سيحدث في حال لم تنجح الخطط وارتفعت حرارة الأرض 1.5 درجة أو درجتين؟
الموقف الحالي
ارتفعت بالفعل درجة حرارة كوكب الأرض حوالي 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
وتقول دانييلا جاكوب خبيرة المناخ في مركز المناخ بألمانيا: "لم نشهد مثل هذا الارتفاع في الحرارة العالمية خلال بضعة عقود. ونصف درجة تعني ظواهر طقس أشد تطرفا بكثير ويمكن أن تكون أكثر تكرارا وأشد حدة وأطول أمدا".
وأضافت أنه في العام الحالي أغرقت الأمطار الغزيرة الصين وغرب أوروبا وتسببت في مصرع المئات. وسقط مئات آخرون قتلى عندما وصلت درجات الحرارة في منطقة شمال غرب المحيط الهادي إلى مستويات قياسية. وشهدت جرينلاند ذوبان كتل جليدية هائلة وأحدثت حرائق الغابات خسائر كبيرة في منطقة البحر المتوسط وفي سيبيريا وأصاب جفاف لم يسبق له مثيل مناطق في البرازيل.
موجات حر شديدة
تقول سونيا سينيفيراتني خبيرة المناخ في جامعة إي.تي.إتش في زوريخ "مقابل كل زيادة في درجة الحرارة تزداد ضخامة التغيرات في الظواهر المتطرفة".
وأضافت أن موجات الحر على سبيل المثال ستتكرر بوتيرة أسرع وستكون أشد حدة.
ووفقا لهيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، فإن موجة الحر الشديد المتطرفة التي كانت تحدث مرة كل عقد، ستتكرر 4.1 مرة كل عقد عند بلوغ الزيادة في درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية و5.6 مرة إذ بلغت الزيادة درجتين مئويتين.
وإذا حدث وقفزت الزيادة إلى 4 درجات مئوية فستتكرر هذه الموجة 9.4 مرة خلال العقد الواحد.
كذلك فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الرطوبة في الجو مما يفضي إلى المزيد من الأمطار شديدة الغزارة ويزيد مخاطر حدوث الفيضانات والسيول. كما أنه يزيد مخاطر تبخر المياه مما يؤدي إلى مزيد من موجات الجفاف المتطرفة.
هل باستطاعة الدول الكبرى وقف التدهور المناخي في العالم؟
غرق بعض الدول
قال عالم المناخ مايكل مان بجامعة ولاية بنسلفانيا: "عند 1.5 درجة الفرصة كبيرة أن نتمكن من الحيلولة دون انهيار الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية".
وسيسهم ذلك في الحد من ارتفاع منسوب البحار ليقتصر على بضع أقدام بنهاية القرن الحالي رغم أن ذلك يمثل تغيرا كبيرا سيؤدي إلى تآكل مناطق ساحلية وإغراق بعض الدول الصغيرة القائمة على جزر ومدن ساحلية.
وأضاف أنه في حالة تجاوز درجتين مئويتين سيؤدي ذلك إلى انهيار الغطاء الجليدي وارتفاع منسوب البحار بما يصل إلى 10 أمتار رغم أن الوتيرة التي قد يحدث بها ذلك غير مؤكدة.
كذلك فإن زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يدمر ما لا يقل عن 70 في المئة من الشعاب المرجانية لكن زيادة بواقع درجتين ستؤدي إلى فقدان أكثر من 99 في المئة منها. ومن شأن ذلك القضاء على بيئات نمو الأسماك والمجتمعات البشرية التي تعتمد على الشعاب في الحصول على غذائها وأرزاقها.
إنتاج الغذاء في العالم
سيكون لارتفاع الحرارة درجتين مقارنة مع 1.5 درجة مئوية تداعيات أكبر على إنتاج الغذاء.
وقال سايمون لويس عالم المناخ بجامعة لندن "إذا حدث فقدان للمحاصيل في بعض المناطق التي تعد سلال الغذاء للعالم في وقت واحد فسوف تشهدون زيادات متطرفة في أسعار الغذاء وجوعا ومجاعة في قطاعات واسعة من العالم".
قلق من ارتفاع أكثر من درجتين
حتى الآن من شأن التعهدات المناخية التي قدمتها الدول من واقع سجل التعهدات بالأمم المتحدة أن تدفع العالم إلى زيادة قدرها 2.7 درجة مئوية.
وقالت وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس إن الوعود الجديدة التي أعلنت في قمة كوب26 قد تقصر الزيادة، إذا ما نُفذت، على ما دون 1.8 درجة مئوية.
وقال علماء إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار 2.7 درجة مئوية سيؤدي إلى حر لا يطاق في بعض أوقات العام في مختلف أنحاء العالم وستفوق ظواهر الطقس المتطرفة إمكانيات معظم البنية التحتية اللازمة لاستيعابها وستعرض العالم لمشاق ضخمة.
نقطة اللاعودة
ووفقا سايمون لويس عالم المناخ بجامعة لندن، مع ارتفاع درجة حرارة العالم تتزايد مخاطر الوصول إلى "نقطة اللاعودة" التي تتجاوز عندها نظم الأرض عتبة تنطلق فيها تداعيات متعاقبة أو لا رجوع عنها.
ومن الممكن أن تؤدي موجات الجفاف وقلة الأمطار واستمرار تدمير غابات الأمازون من خلال التصحر على سبيل المثال إلى انهيار نظام الغابات المطيرة وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بدلا من امتصاصه وتخزينه. أو أن يتسبب ارتفاع درجة حرارة الجليد في الدائرة القطبية الشمالية إلى تحلل الكتلة الحيوية المتجمدة منذ عصور بعيدة وإطلاق كمية هائلة من الانبعاثات الكربونية.
وأكد أنه من الخطر الشديد الاستمرار في إطلاق انبعاثات الغازات لأننا بذلك نزيد احتمال أن نصل إلى إحدى نقاط اللاعودة.