الأنبا موسى
شباب القرن الواحد والعشرين، وما يقابله من ضغوط ومؤثرات، أسهمت بلا شك في تحديد ملامحه، ورسم طموحاته، مما يجعلنا نقطع بأن ما في شبابنا من إيجابيات هو حصيلة نقائه الربانى والطبيعى، وما فيه من سلبيات، هو نتاج طبيعى لمؤثرات خارجة عنه، أو على الأقل خارجة عن إرادته. عمومًا وقبل أن نصدر حكمًا على شبابنا في هذه الأيام يجب أن نجتهد في دراسة ما يقابله في حياته من مؤثرات داخلية وخارجية. موروثة ومكتسبة. وهذا الجهد يحتاج إلى تضافر عقول كثيرة وخبرات متعددة، لا يدّعيها شخص واحد. لعلنا نصل معًا إلى دراسة متكاملة لسمات شبابنا اليوم، وبالأخص في وقت نسمع فيه عن «العالم الافتراضى» «الميتافيرس»، لنعرف الطريق السليم للتعامل معهم، والطريق المطلوب للأجيال القادمة إن شاء الله .
أولًا: مشوار طويل :
تعالوا نتصور معاناة شبابنا منذ أن كانوا أطفالاً صغارًا، فما شباب اليوم إلا نتاج التفاعل بين المكونات الذاتية للشخصية والبيئة التي يحياها شبابنا من: وسائل التواصل الاجتماعى، إلى البيت، إلى دور العبادة، إلى المدرسة، إلى الجامعة، إلى المجتمع المحلى، وإلى المجتمع العالمى .
يترك الوليد الجديد رحم أمه الحانية، إلى عالم مؤلم وجهاد جبار، ولذلك يستقبل لحظة ميلاده بصرخات، ونزغرد نحن لمجرد سماعها. وتبدأ معاناة الطفل، ومعاناة الأم الحنون منذ اللحظة الأولى، وتعقبها معاناة الأب .
يبدأ الطفل يتنفس، ويجوع، ويعطش، ويتألم. ثم تأتى عملية التسنين بآلامها الجسيمة، ثم يتعلم الكلام، والمشى، ويتعرف على المجتمع الضيق المحيط، ثم المجتمع القريب كالجيران والأقارب. يبدأ يحتك ويتعامل، يَضرب ويُضرب، يحس بالحنان، أو بالنفور، يحس بفرحة الأسرة، أو بمشاجراتها المستمرة، يحس بالحضن الدافئ أو بإلقائه على صدر جدته العجوز، يشرب من لبن أمه في سعادة، أو من لبن الثلاجة المحفوظ ..
.. تداعبه نظرات حانية، أو «تشخط» فيه الشغالة القاسية .
هل نسينا كل هذا؟ هل نسينا أن ينبوع الحنان داخل الأسرة أصبح أقل عطاءً. طبعًا لا نقول للأم عودى إلى البيت، فهذا موضوع كبير له أبعاده المختلفة، ولكن هل ننكر أن ندرة الحنان وجفاف المشاعر أخرجا لنا جيلًا غير مشبع بالحنان، بل أحيانًا يحسّ بأنه «جيل غير مرغوب فيه» أو «غير مطلوب» «Unwanted». ثم نتباكى بعد ذلك على قسوة الأولاد مع والديهم أو مع أصدقائهم !!
من المعروف علميًّا وتربويًّا أن تكوين الشخصية الأساسية يكمن في السنوات الأولى من الطفولة، فهل نحن نعطى هذه السنوات حقها من الرعاية والحنان؟! لا تتضايقوا إذن من قسوة أولادكم، لأنكم قد تكونون قسوتم عليهم أنتم أولًا!! وكما يقول الكتاب المقدس: «فَإِنَّ الَّذِى يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية 7:6 ).
ثانيًا: التكوين لا التلقين :
لعل أكبر خطأ اقترفته العملية التعليمية في مصر، هو خلق شباب مستقبل فقط.. أي أن العملية التعليمية كانت ولا تزال في اتجاه واحد، فالمدرس يشرح الدرس والطلبة يحفظونه، وفى الامتحان يجيبون عن الأسئلة غيبًا، أما أن «يعمل» الطلبة شيئًا، أو أن «يشارك» الطلبة في شىء، أو أن «يبتكر» الطلبة أمرًا ما.. فهذا ممنوع، بسبب تكدس الفصول، وحشو المناهج .
فالتعليم يسير في طريق ذى اتجاه واحد، طريق «التلقين»، وليس «التكوين»!! ونرجو أن الطرق المستحدثة في التعليم تساعد على التكوين .
كل شاب أو شابة عضو حى في هذا الجسد الواحد، ولا يوجد عضو بدون وظيفة!! وإلا صار هذا «الشىء» مجرد «زائدة» عنه كالزائدة الدودية في جسم الإنسان، حينما فقدت وظيفتها في هضم السليولوز فضمرت وأصبحت بلا عمل، ويمكن الاستغناء عنها حتى دون أن تلتهب، وقبل أن تلتهب وتسبب لنا المشاكل .
فلا قيمة للعضو، دون بقية الأعضاء!!، وبقية الأعضاء تفتقد العضو إذا ضاع!! والعضو الضائع كثير الثمن، وموضع أسى ودموع !!
لذلك ينبغى أن يسير التعليم في اتجاهين، إرسال من المدرس إلى التلميذ، وتجاوب من التلميذ مع المدرس .
ويجب أن يشعر التلميذ بعضويته في جسد كامل متكامل، وبدوره المهم والحيوى لبنيان هذا الجسد، جسد مصر !!
ثالثًا: مخاطر عدم المشاركة :
إن عدم المشاركة في الفكر والرأى، والجهد، والإبداع، والخدمة، والمشاعر، دليل على خواء العضو، وسلبيته، ومواته!! أو كأنه «استقال» من الحياة!! فقيمة أي عضو تنبع من إسهامه في خدمة الجماعة، «بالمحبة» وكما قال الكتاب المقدس: «بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضكمْ بَعْضًا» (غلاطية 13:5). «فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ» (غلاطية 10:6 ).
من هنا تكون خطورة السلبية الوطنية، دليل موات هذا العضو، مع خسارة فادحة للجسد، كل الجسد!! فعلى الإنسان أن يسهم بالفكر والرأى والجهد والعمل، لبنيان الوطن المحبوب. ويحس بالانتماء ويعطى قبل أن يأخذ. ويهتم بأن يكون له صوت ودور، في المجتمع كله .
أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم