بقلم : يوسف سيدهم
خلال اجتماع الرئيس السيسي مع الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء والدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان بتاريخ الأربعاء 3 نوفمبر الجاري, وجه الرئيس الحكومة بالبدء في تنفيذ خطة انتقال الوزارات إلي الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية اعتبارا من ديسمبر المقبل, وذلك إيذانا ببدء العمل لفترة انتقالية تجريبية تمتد ستة أشهر عقب انتهاء المرحلة التجهيزية لمقار ومنشآت الحي الحكومي.
وبناء عليه يعكف الدكتور مصطفي مدبولي مع فريق المسئولين عن أعمال العاصمة الإدارية علي متابعة الانتهاء من كافة التجهيزات والاستعدادات واللمسات الأخيرة توطئة لبدء الوزارات في الانتقال التدريجي للحي الحكومي بنهاية ديسمبر المقبل… وتركزت التصريحات في هذا الصدد حول التشغيل التجريبي للمباني الحكومية, واختبار الأنظمة الإلكترونية وتشغيل التيار الكهربائي المؤمن ونظام تشغيل البوابات الرئيسية للعاصمة.
وبينما أتابع بكثير من الإعجاب والانبهار الإنجازات التي تتحقق في العاصمة الإدارية, أجدها كلها تتركز في التخطيط العام وقطاعات الاستخدامات الرسمية المختلفة والمنشآت الرئاسية والتشريعية والبرلمانية والحكومية, ومباني الأنشطة الثقافية والرياضية والدينية… وغيرها الكثير الذي ينبئ بأن العاصمة الإدارية بالإضافة إلي منشآتها وشبكات الطرق والمرافق بها وكافة الأنظمة التكنولوجية الحديثة للاتصالات والخدمات الرقمية سوف تكون بالقطع علامة فارقة في إنجازات العمران الحديث في مصر.
لكني وسط كل ذلك أظل أبحث عن معلومات واضحة تخص خطة الدولة في تسكين واستقرار العنصر البشري الذي سينتقل للعمل في العاصمة الإدارية, وما هي السياسة المتبعة في هذا الخصوص, فلا أجد ملامح قاطعة تقدم إجابات علي أسئلة كثيرة… وقد سبق أن تناولت هذا الأمر حين استعرضت ملف العاصمة الإدارية منذ نحو أربعة أشهر -في 25 يوليو الماضي- تحت عنوان العاصمة الإدارية الجديدة.. إنجازات وتساؤلات حيث تطرقت إلي العناصر الآتية:
** المقومات المعلنة عن العاصمة الإدارية تشير إلي استهداف استيعاب تجمع بشري قوامه 6.5 مليون مواطن عند اكتمال المشروع بمراحله الثلاث, ومن المفهوم حتي الآن أن الاستقرار المعيشي الكامل للعناصر التي سوف تنتقل للعمل في القطاع الحكومي والوزارات في المراحل الأولي لن يتحقق- إما لعدم توفر سكن أو لعدم وضوح الرؤية حول مصير الأسرة- فكل ما تم التصريح به أن العناصر المرشحة للانتقال إلي العاصمة الإدارية تم اختيارها بعناية وإخضاعها لبرامج تدريب علي العمل من خلال التكنولوجيا الرقمية الحديثة, كما تم منحها حق الاختيار بين الحصول علي بدل سكن للإقامة في المدينة السكنية الجاري إنشاؤها بالقرب من العاصمة الإدارية أو الحصول علي بدل مواصلات لمن لا يرغب في الإقامة… إذا كيف يتحقق الاستقرار البشري الذي هو من أهم مقومات المجتمع الجديد الجاري تأسيسه؟… العاصمة الإدارية ليست مجتمع أعمال فقط, إنما هي مجتمع إنساني مستقر أيضا.
** لم تتعرض سياسات تجهيز ونقل العناصر البشرية والموظفين إلي وزارات العاصمة الإدارية إلي أسرهم, ماذا يتم بخصوص زوجاتهم أو أزواجهن الذين يعملون في قطاعات شتي في المجتمع, وماذا يتم بخصوص أطفالهم أو أبنائهم في مراحل التعليم المختلفة؟… هل هناك رؤية جادة نحو جمع شمل أسر أولئك الموظفين؟… هل هناك خطط نحو إعادة تسكين زوج الموظفة أو زوجة الموظف في أعمال تتناسب وقدراته أو قدراتها الوظيفية في العاصمة الإدارية؟.. هل يعني أحد بإعادة تسكين الأطفال والأبناء في مدارس أو معاهد تعليمية تناظر المدارس أو المعاهد التي سيتركونها لدي انتقالهم مع أسرهم؟… هل تناسينا في غمار الإنجازات الهائلة في العاصمة الإدارية الجديدة أن نعمل علي تأمين الاستقرار الإنساني البشري الذي عماده الأول هو الأسرة؟
** المعايير التخطيطية الراسخة وراء تأسيس العاصمة الإدارية الجديدة تتركز حول سحب كثافات سكانية من القاهرة العاصمة الأم المثقلة بالسكان وتأمين استيطانها واستقرارها في العاصمة الجديدة, ويظل معيار نجاح مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مرهونا بدرجة نجاحها في تحقيق هدف الانتقال البشري والاستقرار الإنساني, ولا يجب إطلاقا أن تنتهي إلي إنجاز عاصمة حديثة مبهرة في كافة جوانبها يدخلها من يعملون بها في بداية يوم العمل ثم يغادرونها مرة أخري في نهاية اليوم لينضموا إلي أسرهم وأبنائهم في القاهرة.
*** وإلي أن تتضح لنا رؤية المخططين والمسئولين في الدولة حول كيفية تحقيق مجتمع إنساني مستقر في العاصمة الإدارية الجديدة سيظل السؤال الذي طرحته مسبقا يبحث عن إجابة: هل انصب اهتمامنا علي العمران وتغافلنا عن الإنسان؟