في إحدى المزارع على الضفة اليسرى لنهر ملوية، تبدو ثمار البطيخ صفراء باهتة ومشوّهة الشكل بسيقان جافة تعافها حتى الخنازير.
جفّت مياه نهر ملوية، أحد أكبر أنهار المغرب إلى حدّ بات عاجزا عن بلوغ مصبه في البحر الأبيض المتوسط، "لأول مرة في تاريخه"، وفق ما يقول الخبير البيئي محمد بنعطا، ما يهدّد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة.
تعود أسباب هذه "الظاهرة إلى تراجع صبيب النهر بسبب الإفراط في استهلاك مياهه"، كما يوضح الخبير المتقاعد، بينما يلتقط صورًا للمصب القريب من مدينة السعيدية السياحية في شمال شرق المملكة قرب الحدود مع الجزائر. إذ قلبت قساوة الجفاف موازين الطبيعة في هذه المنطقة الزراعية حيث صارت مياه البحر المالحة تغزو مجرى النهر "على مدى 15 كيلومترًا"، ما دفع المزارعين على ضفتيه إلى التخلي عن زراعة أراضيهم بسبب ملوحة المياه وتأثيرها على التربة.
في إحدى تلك المزارع على الضفة اليسرى للنهر، تبدو ثمار البطيخ صفراء باهتة ومشوّهة الشكل بسيقان جافة "تعافها حتى الخنازير"، كما يقول صاحب مزرعة في المنطقة "أحمد حديوي" متحسرًا. إذ أنفق هذا المزارع (46 عاما) نحو 33 ألف دولارًا هذا العام على زراعة حقوله، وعلى مضختي مياه لري البطيخ، "لكن كل شيء تبخر بسبب شحّ السماء وخصوصا ملوحة مياه النهر". حيث تصل الملوحة حتى سبعة غرامات للتر الواحد، بينما يفترض ألا تتعدى ملوحة المياه العذبة 0,5 غرام للتر الواحد.
يعاني المغرب الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة. ويتوقع أن يتافقم الأمر بحلول عام 2050 بسبب تراجع الأمطار (-11 % ) وارتفاع درجات الحرارة (+1,3 درجات)، بحسب تقرير لوزارة الزراعة المغربية.
ضربة قاضية
كذلك، يئس ابن عم "حديوي" من جني ثمار الخرشف التي زرعها في حقل مجاور فقدت أعشابه خضرتها، و"لم يذق حلاوة مياه الري منذ شهرين بسبب ندرة المياه، وتجنّب استعمال مياه النهر التي تهلك ملوحتها التربة لسنوات"، كما يقول صاحبه "مصطفى".
الذي تخلى عن مهنة التدريس ليعمل في الزراعة، قبل أن يضطر اليوم للتخلي عن ثلثي مزرعته البالغة مساحتها 57 هكتارًا بسبب الجفاف. وفضلًا عن قساوة الطبيعة، يوجّه "حديوي" وأغلب مزارعي المنطقة أصابع الاتهام أيضًا إلى "سوء تدبير" مياه النهر، والإفراط في استغلالها من خلال محطتين للضخ وثلاثة سدود في المنطقة. ورغم أن محطة الضخ الثانية لم يبدأ العمل بها سوى قبل ستة أشهر، يقول "حديوي": "إنها كانت بمثابة الضربة القاضية بالنسبة لمزارعي حوض ملوية السفلى".
وتعطي الأولوية في الاستفادة من مياه الري لمزارع الأشجار المثمرة البعيدة عن مصب النهر، ما يمثل في نظر المزارع "عبد الرحيم زخنيني" (61 عاما)، "قسمة غير متكافئة"، وقد اضطر هو الآخر الى التوقف عن زراعة ضيعته العائلية الممتدة على 200 هكتار.
لكن المدير الجهوي لوزارة الزراعة "محمد بوسفو" يوضح أن إعطاء الأولوية لسقي الأشجار "راجع إلى أننا نعيش ظروفا استثنائية"، فإحياء شجرة ميتة أصعب من تعويض حقل خضروات. ويضيف مشددًا على أن السبب الرئيسي لندرة مياه النهر هو الجفاف والملوحة. "أما محطتا ضخ المياه فليس لهما تأثير كبير على صبيبه، وقد أجريت دراسات قبل إنشائهما لتفادي أي اختلال في توازن النهر".
من سيء إلى أسوأ
تشير توقعات وزارة الزراعة إلى أن الجفاف سيؤدي إلى تراجع مخزون مياه الري بحلول عام 2050، "إلى مستوى قد يصل حتى 25 %" ويتخوف المزارعون في منطقة ملوية من تأثير هذه التغيرات البيئية على أوضاعهم المعيشية. إذ يشعر "زخنيني" بفقدان الأمل في المستقبل قائلًا "ما يحزنني أكثر هو أن أبنائي سيضطرون للعمل بعيدا في مزارع أخرى، رغم أننا نملك أرضنا".
وليس الوضع أفضل حالًا في الضفة اليمنى لنهر ملوية الممتد على نحو 500 كيلومتر انطلاقًا من جبال الأطلس المتوسط. ويقول المزارع "سمير شودنا": "نحرث هذه الأرض أبًا عن جد، لكن الوضع اليوم يتحول من سيء إلى أسوأ". ويضيف المزارع الشاب "لا يفكر شباب المنطقة حاليا إلا في الهجرة".
على صعيد آخر، ينبّه الناشط في مجال الدفاع عن البيئة "محمد بنعطا" إلى كارثة بيئية تتهدّد المحمية الطبيعية التي يحتضنها مصب النهر وهي الأهم في المنطقة الشرقية، محذراً من أن "الحيوانات البرية والنباتات لن تخرج منها سالمة".