يوسف سيدهم
منذ إعلان مارك زوكيربرج مؤسس فيسبوك أواخر أكتوبر الماضي تغيير اسم مجموعته التي تضم مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي من فيسبوك إلي ميتا وتدشين حقبة جديدة من التواصل الاجتماعي أطلق عليها ميتا فيرس حتي تباينت ردود الأفعال الإنسانية بين الانبهار والهلع.
غني عن التوضيح أن الهلع هو ما أصاب المراحل العمرية لجيلي أي الذين يعيشون في العقد السابع من عمرهم وما بعد ذلك, بينما كان الانبهار من نصيب المراحل العمرية لأجيال أبنائنا وأحفادنا… والفارق في رد الفعل هذا مرجعه أن جيلي عاش مراحل عزيزة من حياته في تواصل اجتماعي مباشر مع أقرانه وأسرته وأقاربه وزملائه وأصدقائه ساد فيها التعامل الإنساني الملموس والمشاعر الصريحة الواضحة والسلوكيات الصادقة… كل ذلك بإيجابياته أو سلبياته كان مسئولا عن تكوين الشخصية وبلورة الخبرات الحياتية وخلق الروابط الإنسانية.
في المقابل نجد أجيال أبنائنا وأحفادنا -بفضل أنماط حديثة من التكنولوجيا- ينساقون يوما بعد يوم نحو تواصل اجتماعي غير مباشر.. تواصل أتاحته أجهزة اتصال حديثة وتطبيقات اتصال متعددة لعل بالنسبة لمفردات جيلي يصلح أن نطلق عليه عدم تواصل لكنه يظل بالنسبة لهم من أهم أدوات العلاقات الإنسانية التي لا غني عنها والتي يتراجع أمامها التواصل الكلاسيكي الذي ساد عبر الأجيال السابقة… ولا يهم في مقابل شراهة وإدمان استخدام تلك التطبيقات الجديدة للتواصل ما تحمله من مخاطر جمة حول صدق وشفافية ودوام العلاقات الإنسانية التي تنشأ في ظلها, فالانسياق المحموم نحوها والتباهي بمعرفة دقائقها وأسرارها صارا من علامات التمدين والحداثة بين أجيال أبنائنا وأحفادنا حتي أن من الطرائف التي يجري تداولها مشهد انهيار وصراخ هستيري يصيب فتاة مراهقة لدي اكتشافها أن الشاب الذي انجذبت إليه لا يملك حسابا علي فيس بوك!!!… لقد اعتبرته غير سوي وغير طبيعي بجميع المقاييس!!!
ووسط كل ذلك يظل جيلي يتملكه التوجس والقلق ويدق أجراس الإنذار إزاء تآكل وتردي العلاقات الإنسانية المباشرة أمام استفحال العلاقات الإنسانية غير المباشرة… وكثيرة هي المقارنات المؤلمة بين القديم والحديث: القديم حيث العلاقات داخل الأسرة بكل ما فيها من تواصل ومحبة ونقاش أو حتي خلاف وشجار… العلاقات بين الزملاء والأصدقاء واختلاطهم المباشر في الأنشطة الحياتية ترفيهية أو رياضية أو حرفية أو خدمية… انغماسهم في الطبيعة ورحلاتهم ومغامراتهم… إلي آخر كل ذلك من سلوكيات رسخت معاني التواصل الإنساني… بينما الحديث تسوده صور مخيفة من الانعزالية والارتماء في أحضان شاشات التليفونات المحمولة سواء داخل الأسرة الواحدة أو بين الزملاء والأصدقاء أو عبر أية مجموعات… كل منفصل داخل عالمه الخاص يستمد تواصله وشبعه من قطعة جماد يطبق عليها بيده وتجري عليها أصابعه وتمثل له العالم كله… في صورة تعيد لأذهاننا المخلوقات البشرية في أفلام الخيال العلمي حين كان كل شخص يعيش ويتحرك بمعزل عن الآخرين وفق برمجيات محددة حولته إلي شبه إنسان آلي!!!
والآن.. وكأننا لم يكفنا هذا الواقع القاتم, تتبدد أي آمال أو أحلام للعودة إلي العلاقات الإنسانية التي سادت في الزمن الجميل, بإعلان مارك زوكيربرج تدشين عصر ميتا فيرس الذي يفتح آفاقا هائلة رحبة لدمج الإنسان فيما يطلق عليه الواقع الافتراضي… وهذه بعض ملامحه:
** وداعا لعالم الإنترنت وأهلا بعالم افتراضي جديد ينقل الإنسان وهو قابع في مكانه إلي أي مكان في العالم وأي نشاط يريده بحيث لا يكون متفرجا عليه إنما يكون متحركا داخله ومشاركا في نشاطه… من مستخدم للإنترنت إلي جزء منه.
** ميتا فيرس يتيح للشخص الذي يلبس نظارة حديثة ثلاثية الأبعاد الانتقال إلي أي بلد وزيارة أي مكان والتجول داخله والمشاركة في أي نشاط دون أن يتحرك من مكانه… ويكون تحركه وجولاته ومشاركاته عن طريق دمجه داخل ما يطلق عليه الواقع الافتراضي.
** مقابلة الأصدقاء والجلوس معهم ومشاركتهم في أي أنشطة أو فاعليات أو احتفالات دون مغادرة منزلك, الأمر الذي يجعلك معزولا عن العالم الحقيقي.
** من أبرز سلبيات العالم الافتراضي الأثر السيئ الذي ستتركه علي العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين أفراد المجتمع وتعظيم العزلة بين أفراد الأسرة الواحدة.
*** لن يستطيع أحد أن يوقف تقدم وتغير العالم… لكن بناء علي مرحلتك العمرية سيتأرجح الإنسان بين الانبهار والهلع!!