خالد منتصر
صارت كوريا هى ختم الجودة للدراما، ما أن يخرج مسلسل كورى جديد حتى يصعد إلى قائمة الأكثر مشاهدة، مُزيحاً المسلسل الذى سبقه على القمة والذى كان بالمناسبة كوريّاً أيضاً! حدث هذا مع المسلسل «هيل باوند» أو رحلة الجحيم أو المستحقون للهلاك، فقد أزاح هذا المسلسل الجديد «هيل باوند» المسلسل الذى سبقه الذى كان حديث العالم وهو «لعبة الحبار»، تراجعت الدراما الأمريكية وصار صانعوها فى حيرة: ما اللغز فى اكتساح الكوريين لهذه الصناعة التى صارت تنافس سامسونج وهيونداى فى حصد الأموال للاقتصاد الكورى والمساهمة فى تقوية تأثير كوريا الثقافى على العالم إلى جانب تأثير الغناء والموسيقى؟، فقد صارت الفرق الغنائية الكورية إدماناً عند شباب العالم، لكن ما سر اكتساح الهيل باوند وانجذاب المشاهدين له حول العالم بهذا الشكل؟ المسلسل برغم أنه من الممكن أن يصنف كمسلسل رعب أو خيال علمى،
إلا أنه مسلسل فلسفى عميق، يناقش قضية وجودية مؤرقة، كيف أن إحساس الإثم المزمن عند البشر يجعلهم عبيداً منسحقين عند جماعات دينية متعصبة ومتطرفة، وكيف أن فزاعة الموت هى سلاح تجار تلك الجماعات التى تتحول رويداً رويداً إلى عصابات، يبدأ المسلسل بثلاثة أشباح تظهر لشاب فى مطعم وتطارده وتكسر عظامه ثم تحرق جثته فى الشارع فيتحول إلى جثة متفحمة، ويتضح من التحقيقات أنه قد تلقى موعد موته من طيف زاره وحدد له متى سينتقل إلى الجحيم باليوم والساعة والدقيقة، إنها نبوءة حتمية استغلتها وروّجت لها جماعة دينية تسمى الحقيقة الجديدة، أصبح لتلك الجماعة وزعيمها الشاب أتباع كثيرون، هؤلاء الأتباع تحركهم هستيريا العنف وملاحقة المذنبين مرتكبى الإثم الذين يستحقون الموت بأبشع الطرق، تتعاون تلك الجماعة مع جماعة تعتبرها ذراعها التنفيذية التى تمارس البلطجة، جماعة رأس السهم التى تراقب الناس وترصدهم وتمنع وقوعهم فى الآثام أو تنفذ الأحكام فيمن يسقط فى هوة تلك الآثام، تتكرر النبوءات وتحديد مواعيد الذهاب إلى الجحيم، تحاول محامية وضابط شرطة نفى هذا الوهم عن الناس،
ولكن تفشل كل محاولاتهم، ينفذ حكم الترحيل إلى الجحيم من الأشباح أمام الناس «لايف» وعلى الهواء مباشرة، فيزيد الاقتناع ويتضخم الرعب ومعه تسيطر الجماعة على عقول الناس، ومن يناقش يرفعون له لافتة «أنت ضد إرادة الله»، يموت زعيم الحقيقة الجديدة بنفس الطريقة، ويتضح أنه قد تلقى النبوءة منذ عشرين عاماً، ويكمل مسيرته رجل دين آخر، تحكم جماعة الحقيقة الجديدة وتسيطر على البلد كلها وتأخذ جماعة رأس السهم دور المحافظ على الأمن الاجتماعى من آثام البشر، تقرر المحامية التى فقدت أمها المريضة على يد تلك الجماعة التى هشمت عظامها، أن تكون جماعة مضادة لتنقذ الناس من هذه الهستيريا، يظل الصراع وتظل المطاردات فى إيقاع لاهث، يطرح على المشاهد أسئلة وجودية عن حجم العذاب والهلاك واللامنطق فى كل هذا الدم والسحل والحرق والتقطيع والذبح، تقع عصابة الحقيقة الجديدة فى مأزق حين تصل النبوءة إلى طفل بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام وينتقل إلى الجحيم، وقعوا فى حيص بيص، سيضيع الوهم الذى باعوه للناس، بضاعة الإثم والخوف ستبور،
ستصيبهم البطالة، أين الذنب الذى ارتكبه هذا الطفل لكى يذهب إلى الجحيم بتلك الطريقة البشعة؟ كيف انتهى الصراع؟ وهل تم تنفيذ حكم الهلاك على الطفل؟ الإجابة فى أحداث هذا المسلسل الذى ارتفع بسقف الدراما إلى قضايا تجاوزت تفاصيل الحياة إلى ما بعد تلك الحياة، ومعنى الوجود نفسه، وأبدية العذاب، ومعنى الإثم، وهل الخوف هو دينامو الدوجما والأفكار المتطرفة؟ كلها أسئلة تجعلنا نرفع القبعة تحية للبيرفكشن الكورى فى الدراما الذى أرسل رسالة ذات مغزى، وهى أن التفوق الصناعى لا يتجزأ، فمن تفوَّق فى صناعة الموبايل تفوّق بنفس الإتقان فى صناعة الدراما.
نقلا عن الوطن