ايمن منير
حينما أرأدَّت المَلِّكة هيلانه والدة الإمبراطور قُسطنطين .. التنقيب عن صليب المُخلِّص أتت إلي أورشليم والقُدس مُستقِّله الافراس وجمع غفير مِن جُنود الإمبراطورية الرومانية ثلاثة الاف جُندي
لانهُ بعد الصَّلب والقيامة قام اليهود برمي الصُلبان الثلاثة حتي يتم دفنهِم وكان هذا المكان هو مكان القبر المُقدَّس الذي وضع به القديس يوسف الرامي ونيقوديموس جسَّد الرب بعد الصَّلب وكان أسفل جبل الجُلجثة حيث أتي اليهود بالصُلبَّان موّضِع القبر وكان يُشبه حُفرةً ومَنحوت في قلب الجبَّل حتي يتم ردمَهُم مع القبر ايضاً
واشاعوا بان كل من لديهِ أكواماً من الاتربة أو القِمامة ان يقوم بإلقائها في هذا المكان حتي أصبَّح تلاً مِن القِمامة والاتربة وكانت رائحتهُ كريهة جداً
وفَعَل اليهود ذلك حتي ينفُر الناس من هذا المكان الملئ بالقِمامة
بعد صَّلب السيد المسيح وقيامتهِ مِن جديد دُفنت الصُلبَّان في هذا المكان .
فعِندما أتت الملكة هيلانه وأرادَّت أن تكشف مكان صليب الرب يسوع أتت
بعُمَّال لرَفع القِمامة مِن المكان ولكنهُم كانوا يهرُبون مِن الرائحة الكريهة
ففكرَّت الملكة ماذا تفعل حتي يُقبِّل العُمَّال علي رَّفع القِمامة فأصبَّحت تُلقي بجُنيهات مِن الذهب بدَّاخل القِمامة حتي يفوز بها العُمَّال عِند رَّفع القِمامة مِن المَّكان
نجحَّت هذهِ الفِكرة ورَّفع العُمَّال القِمامة حتي ظهرَّت الصُلبان الثلاثة
وُلدت القديسة هيلانه (حوالي 250-327 م) بمدينة الرَّها من أبوين مسيحيين نحو سنة 247 م .. فربّياها تربية مسيحية وأدّباها بالآداب الدينية .. وكانت حسنة الصورة جميلة النفس .. واتفق لقُنسطنس ملك بيزنطا أن نزل بمدينة الرَّها وسمِّع بخبَّر هذهِ القديسة وجمال منظرها فطلبها وتزوجها حوالي عام 270 م .. فرزِّقت منهُ بقسطنطين فربّتهُ أحسن تربية وعلّمتهُ الحِكمة والآداب وفي عام 293 م .. إلتزم قُنسطنس بأن يُطلقهَّا لكي يرتبِّط بقرابةً مع الإمبراطور الأكبر في الغرب اُغسطس مكسيميان بزواجهُ من ابنةً لهُ مِن زواج سابق تُدعى ثيؤدورا .. إستمرت هيلانه مُرتبطة وفي كنف إبنها .. أما الثلاثين عاماً التالية فلا نعرف الكثير عنها.
بعد صلب وموت السيد المسيح على جبل الجُلجثة إختفَّت آثار الصليب الذي صُلِبَ عليه السيد المسيح .. فعِندما رأى رؤساء اليهود كثرة العجائب التي تظهر من قبر المُخلِّص مِن إقامة الموتى وعجائب اُخرى غضبوا ونادوا في جميع اليهودية وأورشليم " كل من كنس دارهُ أو كان عندهُ تُراب ، فلا يُلقيهِ إلا على مقبرة يسوع الناصري" واستمر الحال على ذلك أكثر من مائتي سنة حتى صار كوماً عظيماً .. وأقام الرومان بالقُرب منهُ معبداً للإله الروماني ڤينوس ليمنعوا المسيحيين الأوائل من زيارة المكان وتكريم الصليب المُقدَّس .
وفي مطلع القرن الرابع ظهر الصليب في السماء لقُسطنطين الكبير ( القائدالروماني ) قبل احد معاركهُ مُحاطاً بهذهِ الكلمات باحرف بارزة من النور :
" بهذه العلامه تغلِّب " فوضَّع علامة الصليب على كل راية وعَلَم وخاض المعركة وانتصَّر على عدوِّهِ ، فآمن بالمسيح هو وجُنودهِ .. ولما أصبح قُسطنطين إمبراطوراً على أوروبا أمَّر بهدَّم معابد الاصنام وشيَّد مكانها الكنائس .
وقُسطنطين هذا هو الإبن الوحيد للقديسة والملكة هيلانه ربتهُ أحسن تربية وعلّمتهُ الحكمة والآداب .. هيأت الملكة هيلانة قلب إبنها قُسطنطين ليقبَّل الإيمان بالسيد المسيح .. ولما ظهرَّت لهُ علامة الصليب في السماء مُحاطاً بهذه الكلمات بأحرُف بارزة مِن النور : " بهذهِ العلامة تغلِّب " . بالفِعل إنتصَّر وآمن بالمصلوب وصار أول
إمبراطور روماني مسيحي
ولانهُ إمبراطوراً اي رئيس مَمالك فقد خلع المُلك علي والدتهِ كما انها ملكة قبَّل ذلك بزواجها من الملك قنسطنس .
وفي عام326 م أرادَّت الملكة هيلانـه أن تعرف مصير الصليب المُقـدَّس الذي صُلِّب عليهِ المسيح لهُ المجد حيث رأت في منامها حُلماً أنبأها بأنها هي التي ستكشف عن الصليب وقد شجعها إبنها الإمبراطور قسطنطين على رحلتها إلى اورشليم وأرسل معها قوه مِن الجُند قوامها ثلاثة آلاف جُندي ليكونوا في خدمتها وتحت طلبها وهُناك في أورشليم إجتمعَّت بالبطريرك مكاريوس البالغ من العُمر ثمانين عاماً وأبدت لهُ وللشعب رغبتها .. فأرشدها إلى رجُل طاعن في السن من أشراف اليهود ويُسمى يهوذا ..
وكان خبيراً بالتاريخ والأحداث والأشخاص وبالأماكن فاستحضرتهُ الملكة وسألتهُ عن صليب المسيح فأنكر في مبدأ الأمر معرفتهِ بهِ وبمكانهِ فلما شددَّت عليه الطلَّب وهددتهُ ثم توعدتهُ إن لم يُكاشفها بضيقتها وإحتياجها لما تُريد معرفتهِ .. فاضطَّر إلى أن يُرشدَّها إلى موضع الصليب .. وهو كوم الجُلجثة بالقُرب مِن معبد ڤينوس وهو بعينهِ المكان الذي تقوم عليهِ الآن كنيسة القيامة في اورشليم .
أمرَّت الملكة هيلانه في الحال بإزالة التل فانكشفَّت المغارة وعثروا فيها على ثلاثة صُلبان .. وكان لابُد لهُم أن يتوقعوا أن تكون الصُلبان الثلاثة : هي صليب المسيح يسوع وصليب اللص الذي صُلب عن يمينهِ وصليب اللص الذي صُلب عن يسارهِ وقد عثروا كذلك على المسامير وعلى بعض أدوات الصلب كما عثروا على اللوحة التي كانت موضوعة فوق صليب المُخلِّص ومكتوب عليها – يسوع الناصري ملك اليهود – ويبدو أن هذه الصُلبان الثلاثة كانت مُتشابهة .. حتى أن الملكة ومَن معها عجزوا عن التعرُّف على صليب المسيح يسوع من بينها .
وبعد ذلك إستطاعت الملكة بمشورة البطريرك مكاريوس أن تُميِّز صليب المسيح بعد أن وضعت الصُلبان الثلاثة الواحد بعد الآخر على جُثمان ميت فعندما وُضِّع الصليب الأول والثاني لم يحدُث شيئ وعندما وُضِّع الصليب الثالث عادت للميِّت الحياة بإعجوبةً باهرة .. وبعد ذلك وضعوا الصليب على إمراة مريضةً فشُفيت في الحال .. عندئذ رَّفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليرأها جميع الحاضرين وهم يُرتِّلون ودُموع الفرَّح تنهمر من عيونهِم .. ثم رفعَّت القديسة هيلانه الصليب المُقدَّس على جبل الجُلجثة .
وتكريماً للصليب المُقدَّس غلفتهُ بالذهب الخالص ووضعتهُ في خِزانة مِن الفضة في أورشليم وشهد بذلك أيضاً أمبروسيوس رئيس أساقفة ميلانو في سنة القديس يوحنا ذهبي الفم وغيرها من أباء الكنيسة .. وايضا أرسلَّت القديسة هيلانه قِسماً من الصليب والمسامير إلى قسطنطين( حيث كان يضع الإمبراطور قُسطنطين مَسماراً منهُم في تأجهِ ) وأبقت القسم الباقي في كنيسة القيامة التي أمَّر الملك قسطنطين ببناءها في نفس موضع القبر والمغارة أسفل موضع الصَلب الذي كان على جبل الجُلجثة .. وسُميَّت بكنيسة القيامة ( وتُسمى كنيسة القبر ايضاً ) ووُضع فيها الصليب المجيد .. وهي لا تزال موجودة إلى يومِنا هذا .. (وقد عُمِّل إحتفال التدشين لمُدَّة يومين مُتتاليين في 13 و 14 ايلول سنة 335 في نفس أيام إكتشاف الصليب ) .
الصليب المقدس :
وفور عِثور الملكة على الصليب أمرَّت القدِّيسة هيلانه بإشعال النار مِن قمة الجبَّل إلى آخرهِ لكي تُوصِل خبر تعرُّفها علي الصليب المُقدَّس لإبنها الإمبراطور قُسطنطين في القسطنطينية .. إذ كانت النار هي وسيلة التواصُل السريع في ذلك الزمان عندما كانت وسائل المواصلات والإتصالات بدائية وبطيئة .. وهذا هو السبب في إشعالنا النار في هذا العيد ( عيد القيامة - ولكن النار تُشعَّل مُستمدَّة مِن النور المُقدَّس الذي ينبعث من القبر في موعد القيامة ويظل نوراً في هيئة نار لمُدة الثُلث ساعة لايحرِّق يدك إن وضعتها عليهِ ) .
وأمَّر المَلِّك قُسطنطين بتوزيع خشبة الصليب المُقدَّس على كافة كنائس العالم آينذاك .. وقد إحتفظَّت كنيسة القُسطنطينية بالجُزء المُتبقي في حين حصلت كنيسة روما على قطعة كبيرة منهُ .
وذكر القديس كيرلُس بطريرك أورشليم أن أساقفة أورشليم كانوا يوزعون من عود الصليب المُقدَّس علي الزائرين .. حتى أن الدُنيا إمتلأت مِن أجزاء الصليب في زمن قليل ومع ذلك لم ينقُص منهُ شيئ بسبب النشوء والنمو وبسبب القوة ألتي إكتسبهَّا مِن جسَّد الرب يسوع الإلهي الذي عُلِّق فوقهِ .. أما القديسة هيلانه فتوفيت سنة 327 وهي قُرابة ال 80 عاماً .
وفي سنة 614م إجتاح كَسرى مَلِّك الفُرس أورشليمَ .. وتم اسر الإلوف مِن المسيحيين وفي مُقدِّمتهم البطريرك زكريا .. حيث دمَّر وهدَّم وأضرَّم النار في كنيسة القيامة والكنائس الاُخرى بتحريض مِن اليهود القاطنين في أورشليم ونجا الصليب المُكرَّم من النار لكنهُم أخذوا الصليب كغنيمة مع جُملة ما أخذوا مِن أموال وذهب ونفائس إلى الخزانة الملكية .. وبقي عندهم مُدة 14 سنة .
وحين اصبح هِّرقل إمبراطور الروم إسترَّد الروم هيبتهِم .. وسعى هِّرقل إلى الصُلح مع المَلِّك كسرى لكن الأخير لم يرض ان يعقد صُلحاً مع هِّرقل .. فهاجم هِّرقل جيوش الفُرس الثلاثة بجيش جبار وهزمها الواحد تلو الآخر وفر كسرى طالباً النجاة فقتلهُ إبنهُ سيراوس (شيروه) وأسرع الأخير في مُفاوضة هِّرقل وكان أول شرط في عقد الصُلح إسترجاع خشبة الصليب المُقدَّس فتسلمها هِّرقل سنة 628 م وأطلَّق سراح الأسرى ومنهُم البطريرك زكريا بعد أن قضوا في الأسر 14 عاماً .. فأتى هِّرقل بخشبة الصليب إلى القُسطنطينية التي خرجَّت بكل ما فيها إلى إستقبالهِ بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج .
وفي سنة 629 م أراد الإمبراطور هَّرقل أن يرُد الصليب إلي كنيسة القيامة .. وأن يَحملهُ إليها بنفسهِ فجاء به إلى أورشليم ليُعيد عود الصليب إلى موضعهِ على جبَّل الجُلجُثة وهو لأبساً حُلتهِ الملكية ومُتشحاً بوشاحهِ الإمبراطوري وواضعاً على رأسهِ تاجهِ الذهبي المُرَّصع بالأحجار الكريمة ثم حمَّل الصليب على كتفهِ .. فخرَّج لمُلاقاتهِ الشعب وعلى رأسهِم البطريرك زكريا فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرَّح والبهجة بالمشاعل والترانيم وساروا حتى طريق الجُلجثة .
وعند إقترابهِ مِن كنيسة القيامة توقف المَلِّك بغتةً بقوةً خفيةً وما أمكنهُ أن يخطو خُطوة واحدة حيث ثقل عليهِ الصليب إلى درجةً كبيرةً .. فتقدَّم البطريرك وقال للمَلِّك : " إن السيد المسيح مشى هذا الطريق حاملاً صليبهِ مُكللاً بالشوك لابساً ثوب السُخرية والهوان .. وأنت لابساً أثوابك الإرجوانية وعلى رأسك التاج المُرَّصَع بالجواهر ..! فعليك أن تُشابهِ المسيح بتواضُعِّهِ وفقرهِ ".. فأصغى المَلِّك إلى كلام البطريرك .. وأرتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس حافي القدمين .. فوَّصّل إلى الجُلجثة حيث رَّكز الصليب في الموضِّع الذي كان فيهِ قبلاً .
ومُنذُ ذلك الوقت ونحنُ نحتفل في الرابع عشر مِن أيلول بعيد العُثور علي الصلِّيب المُقدَّس على يد القديسة هيلانه وأستِرجاع خشبة الصلِّيب المُقدَّس مِن الفُرس على يد الإمبراطور هِّرقل .
بركة القيامة المُقدَّسةِ
وصلِّيب رب ألمجد ربنا وإلهنا ومُخلِّصِنا
يسوع المسيح فلتكن مَعنا دائماً أبدياً أمين
صَّلوا لأجلي