سليمان شفيق
(1) كتب الابن صلاح زكي مراد :
(ليوم تحل الذكرى ٤٢ لوداع أبي الشهيد المناضل زكى مراد الذي ودعنا يوم ١٨ / ١٢ /١٩٧٩
حتى اليوم أحيا مرفوعا الرأس كونى لا أملك سوى الفخر والاعتزاز والشرف الكبير كونى ابن لهذا الرجل العظيم والاب الرائع الدائم العطاء لى حتى اليوم كانت سيرته العطرة في الإسكندرية تحتويني وتملئنى فخرا واعتزاز.

شكرا وحمد لله عز وجل أننى ولدت أبنا يحمل اسم زكى مراد محاميا صلبا ومناضلا عظيما وشاعرا مرهف الحس وأبا حنون أتعلم منه رغم حياتى القصيرة معه الا أننى مازلت اتعلم من مسيرته وسيرته الحاضرة بل رائعة الحضور
تعيشي وتفتكرى رجالتك اللى حبوك وفدوك بكل ما يملكون يامصر ومنهم رفاق عظام بينهم زكى مراد أبي وافتخر واتشرف واعتز .....في سكنة الجنة يابابا حضرتك وكل رفاق المسيرة ورفيقات الدرب امى فتحية سيد أحمد وكل رفيقاتها العظيمات
ابنكم
صلاح زكى مراد)


(2) وما اكثر ابناء زكي بالروح والفكر:
وتمر، ايضا، الذكرى الثانية واربعين لرحيلة وصورته في القلب وآخر ما تبقى على جدار العمر
حين نظرت إلى صورته المعلقة على الحائط، فرأيته في القرب والبعد جميلًا، بكيت قليلًا  فأرتحت قليلًا، رحل كالأشجار واقفً، كما عاش واقفً مرفوع الرأس، اكثر من ستون عاما من النضال الوطني والتقدمى، سنديانة حمراء لا تلين ولا تنحني،عشرات  النضالات والسجون لم ينسوا فيها الوطن ، نقشا الحزب على جبينهما والطبقة على كفيه، والوطن كان دائما في العينين، كان زكي مراد ابي. منذ عام ١٩٧٥ عرفته فعرفت نفسى ووطنى وقضيتى وحزبى، لم يعرف في النضال من أجل مدنية الدولة أى مساومة

لا أنسى ذلك اليوم، كان الجسد يهبط إلى مثواه الأخير، ودموعى تسبق ذكرياتى، وروحه ترفرف، تعطينا التكليف الأخير بمواصلة النضال، وجوه كثيرة، لرفاق أضناهم الفراق، وأنا أتذكر ذلك الذى تبناني منذ ١٩٧٤ حتى قبل الرحيل بأيام
من لم يعرف  زكي مراد  كأنسان لن معني الانسانية التقدمية، كنت شابا من أبناء حركة الطلاب لجيل السبعينيات، خرجت من السجن مفصولًا من الجامعة، أعمل «قبانى» في شركة النيل للحليج بالمنيا، أتكسب رزقى حتى لا أكون عالة على عائلتى، وأيضا أكون قريبا من العمال، في مساء يوم من مارس ١٩٧٤ كنت أجلس مع عمى أحمد عبدالعزيز، شيوعى سابق وصاحب محل نسيج، وطلب منى أن آخذ إجازة في الغد، لأن الأستاذ زكى مراد المحامى قائد شيوعى سيكون غدا في المنيا، انتظرنا زكى مراد وكانت مقابلته «شروق» شمس جديدة في حياتى، عرفنى زكى مراد على رفعت السعيد، تقابلنا في كافتيريا «لا باس» المغلقة الآن بشارع قصر النيل، شاب نحيف يرتدى نظارة، مبتسم دائما، ومن ابتسامته دخلت عالم الحركة الماركسية،

عام ١٩٧٦، بدأ رفعت مع خالد محيى الدين الاستعداد لتأسيس منبر اليسار، ولعب رفعت دورا كبيرا في تحقيق اشتراط «عشرة أعضاء من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى أو أعضاء مجلس الشعب»، بعدما «ماطل» النائب كمال أحمد في التفاوض، واعتذر النائب أحمد طه قبل انتهاء الفترة بيومين، فأسرع رفعت إلى زكي مراد واستطاع الحصول على توقيع النائب الراحل قبارى عبدلله، وعن طريق القائد الشيوعى زكى مراد ايضا والنائب مختار جمعة، تم الحصول على توقيع عضو اللجنة المركزية فتحى محيى الدين أمين الاتحاد الاشتراكى بمحافظة أسوان آنذاك، ولولا ذلك ما رأى منبر اليسار النور.

ومضت الأعوام، وكنت حتى ذلك الوقت لم أكمل دراستى الجامعية  ،وأحب الراحلة مريم وديد فتكفلت فتحية سيد احمد زوجة زكي مراد وزكي مراد بترتيب الزواج ، وذهب رفعت السعيد معى إلى والدها لخطبتها، ووفرا لى منحة دراسية لاستكمال دراستى بجامعة موسكو.

اذكر كيف موقف في منزلة الذي كان يطوف به المناضلين ، اول لقاء مع الكنج محمد منير كان يغني في عيد ميلاد صلاح زكي مراد ، ولا انسي عشية انتفاضة 18 و19 يناير 1977 كان زكي مراد قد اوصاني ان اخذ صلاح لشراء بدلة ، ويومها شعرت بالفعل انني احد ابناء العائلة ، واخر لقاء كان في شقتة التي علي احدي الاسطح بالاسكندرية .

الاسكندرية مهد الرسالات التقدمية :
من عمق الثغر تظل الاسكندرية مقر الحزب الشيوعي الاول 1920 ولازال دماء الشيوعيين تختلط بدما البحر في البدأ كان الشهيد انطون مارون:

(ينعى شهيده الأول: ففى الأول من أغسطس ( 1927 ) توفى الرفيق أنطون مارون فى مستشفى السجن بسبب إضرابه عن الطعام. وقد كان للرفيق مارون، وهو عربى سورى الجنسية  وقد إنتخبه إتحاد نقابات العمال المصرى الذى كان مرتبطا بالاتحاد العالمى للنقابات سكرتيرا له. وفى نفس الوقت كان الرفيق مارون شديد النشاط فى الحزب الشيوعى. وقد أعتقل الرفيق مارون مع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى المصرى. وكان من شأن الفترة الطويلة التى قضاها فى السجن إنتظارا للمحاكمة، والمعاملة السيئة التى نالت السجناء السياسيين أن دمرت صحته إلى حد انه وخلال المحاكمة التى جرت فى سبتمبر العام الماضى شهد الأطباء بأنه لايقوى على حضور الجلسات. وبرغم هذا حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات. وبمجرد أن حكم عليه كان الرفيق مارون مضطرا ومعه الشيوعيين الآخرين المحكوم عليهم، الى أن يقوموا بإضراب طويل عن الطعام حتى يحققوا شيئا يقارب المعاملة الانسانية. وقد ضاعف هذا من متاعبه الصحية. ورغم ذلك فقد رفض الرفيق مارون بإباء عرض الملك فؤاد بأن يمنحه " عفوا " وآثر ان يشارك رفاقه الآخرين المحكوم عليهم مصيرهم. وسعت ادارة السجن لأن تنتقم منه بسبب موقفه المتشدد، فجرى تعريضه لصنوف الاضطهادات والعذابات التفصيلية الممكنة، الأمر الذى أدى به لدخول اضراب عن الطعام مرة أخرى. وظل الرفيق مارون مضربا عن الطعام لمدة ست أسابيع. لم تفعل ادارة السجن شيئا ازاء مطالب المضربين. ولكن الحركة العمالية الشابة لن تنسي أبدا الموت الإستشهادى للرفيق مارون.

 *المصدر: المراسلات الصحفية الأممية – المجلد الخامس – العدد 67 -1927 – اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية
ترجمة سعيد العليمى))

شهيد علي الطريق:
زكى مراد (ابريم، مصر، 1 سبتمبر 1927 - ديسمبر 1979)، كان شاعرًا وأديبًا ومترجمًا يسارى مصري نوبى تلقى تعليمة في قريتة النوبية إبريم ثم التحق "بجامعة فؤاد الأول " في القاهرة لدراسة القانون وانضم للتنظيمات اليسارية من بعد ذلك. توفى في حادثة سيارة عام 1979

تلقى تعليمه الأولي في مدرسه القرية ؛ ثم انتقل عام1939 إلى الإسكندرية ثم إلى القاهرة ؛حيث درس في مدرسه حلوان الثانوية ثم التحق بكليه الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة) وتخرج منها.

شارك منذ وقت مبكر في الحركة الوطنية المصرية وفي عام 1946 كان عضوا في ” اللجنة الوطنية للطلبه والعمال ” مما أدى إلى اعتقاله السياسي الأول في نفس العام

ثم اعتقل مره أخرى في أبريل 1947 لمناهضتة للسلطه الملكية والاحتلال البرطاني ؛ ثم قبض عليه سنه 1949 بتهمة الانضمام لتنظيم شيوعي.

شارك عام 1951 في ” لجنة الميثاق الوطني ” التي كونتها القوى الوطنية آنذاك ؛ وانضم إلى حركة ” حدتو ” التي وضعت برنامج الجبهة الوطنبه الديمقراطية للشعب.

كما ساهم في تنظيم المقاومة الشعبية والكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني في منطقه القناة والتل الكبير

عندما قامت ثورة يوليو 1952 كان من طليعة المؤيدين لها والمدافعين عن توجهها الوطني التقدمي ؛ ولكن عندما اتخذت الثورة نهجا ديكتاتوريا استبداديا عارضها وانتقدها ودعا إلى تشكيل جبهة وطنيه ديمقراطيه من أجل عوده الحياة النيابيه ولرفض الأحلاف العسكرية ؛ مما افضى به إلى السجن والاعتقال مرة أخرى ؛ حيث قدم للمحكمة العسكرية برئاسة (الدجوي) في نوفمبر 1953 بتهمة تشكيل جبهة لإسقاط النظام وحكم عليه بالاشغال الشاقه ثماني سنوات قضاها في سجن الواحات ؛ ولم يخرج بعد قضاء مدة العقوبة حيث صدر أمر باعتقاله وهو مسجون فظل معتقلا حبيس السجن لمده أحد عشر عاما متصله حتى يونيو 1964

كان في مقدمة من وقفوا بحسم ضد اتجاه التبعية وسياسات الاستسلام التي انتجها السادات مما افضى به مرة أخرى إلى السجون والمعتقلات في عام 1975 بتهمة تاسيس تنظيم شيوعي لقلب نظام الحكم ؛ ثم في عام 1977 بتهمة التحريض على انتفاضه 18 و19 يناير وتاجيجها ؛ ثم في عام 1979 حيث قبض عليه وظل معتقلا حتى قبيل استشهاده بشهرين عقابا له على تفعيل دعوتة لتشكيل جبهة وطنيه ديمقراطيه لإسقاط معاهده كامب ديفيد واتفاقيات السلام المخزية مع إسرائيل

احتل موقع سكرتير عام اللجنة المركزية، الحزب الشيوعى المصرى.

اعلن  صيحتة الشهيرة في مؤتمر تاريخي:
"المصريه هنا ليست مجرد انتماء وانما تحدد بالمواقف ؛ فانت مصري حقيقي إذا كنت تقف في خندق اعداء الصهيونية واعداء من هم خلف الصهيونية من قوه الاستعمار العالمي اماإذا كنت في خندق أمريكا وإسرائيل فلتبتعد عنا واتعلم ان الذي بيننا وبينك هو الكفاح والسلاح ولتكن النتيجة ما تكون"

منذ هذه الصيحة المجمعه المحدده للخنادق التي أطلقها الحالم الثائر تربص به الموت الغادر واعداء الحرية والكرامة

ففي يوم 18 ديسمبر 1979 استقل زكي مراد سيارته متجها إلى الإسكندرية وكان في حافظة اوراقة الخاصة صوره التقرير السياسي الذي اعده ” الحزب الشيوعي المصري ” بشان الموقف من معاهدة السلام ؛ وحسب روايه شهود العيان فان سياره مجهوله بالقرب من ايتاي البارود أسرعت على يمين سيارة المناضل زكي مراد ودفعتها دفعا لانحراف يسارا لكي تتخطى الحاجز الوسطي من الطريق وتصطدم بسياره نقل قادمه من الاتجاه المضاد."

نظرت لصورة خالد محيي الدين المجاورة لمكتبي ، شعرت أن الحلم اليساري يتسرب كالماء من بين أصابعنا، تذكرت فرسانا سبقونا نحو الوطن السماوى، من الضباط الاحرار لثورة يوليو كمال رفعت، لطفي واكد ، الزعيمة الفلاحية شاهندة مقلد، وقادة الفلاحين الشيخ عراقي، عريان نصيف، القائد التقدمي أحمد الرفاعي،المحامي عبدلله الزغبي، النقابيون العمال : سيد عبدالراضي، عبدالرحمن خير، حسين عبد ربه، عبدالحميد الشيخ،  ونساء تقدميات :فتحية سيد أحمد، فاطمة زكي، ليلي الشال، مريم وديد، والقائد الشاب د. أحمد نصار، ويا حزن قلبي، لكن هناك من يكملون الطريق.

من يرفع عنى مر هذه الكأس، ماذا نكتب في يوميات الحزن المعتق عن مرثية العمر الجميل؟، فيا أيها الفارس الذى ترجل في صمت نحو الفجر السرمدى، سنظل على العهد حتى نلقاك ونكمل حديثا لم ينته من ١٩٧٥ وحتى الآن.