في مثل هذا اليوم 21 ديسمبر1908م..
الجامعة المصرية، هو الاسم الذي كانت تعرف به جامعة القاهرة من 1908 حتى 1940، وبعد ذلك عرفت بجامعة فؤاد الأول حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952. وهي أول جامعة تنشأ في مصر.
علم الزعيم الوطني مصطفى كامل في أثناء وجوده ببريطانيا للدفاع عن القضية المصرية والتنديد بوحشية الإنجليز بعد مذبحة دنشواي، أن لجنة تأسست في مصر للقيام باكتتاب عام لدعوته إلى حفل كبير وإهدائه هدية قيمة؛ احتفاءً به وإعلانًا عن تقدير المصريين لدوره في خدمة البلاد، فلما أحيط علما بما تقوم به هذه اللجنة التي كان يتولى أمرها محمد فريد رفض الفكرة على اعتبار أن ما يقوم به من عمل إنما هو واجب وطني لا يصح أن يكافأ عليه، وخير من ذلك أن تقوم هذه اللجنة "بدعوة الأمة كلها، وطرق باب كل مصري لتأسيس جامعة أهلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء، وأن كل قرش يزيد عن حاجة المصري ولا ينفقه في سبيل التعليم هو ضائع سدى، والأمة محرومة منه بغير حق".
وأرسل إلى الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد برسالة يدعو فيها إلى فتح باب التبرع للمشروع، وأعلن مبادرته إلى الاكتتاب بخمسمائة جنيه لمشروع إنشاء هذه الجامعة، وكان هذا المبلغ كبيرًا في تلك الأيام؛ فنشرت الجريدة رسالة الزعيم الكبير في عددها الصادر بتاريخ (11 من شعبان 1324هـ= 30 من سبتمبر 1906م).
لم تكد جريدة المؤيد تنشر رسالة مصطفى كامل حتى توالت خطابات التأييد للمشروع من جانب أعيان الدولة، وسارع بعض الكبراء وأهل الرأي بالاكتتاب والتبرع، ونشرت الجريدة قائمة بأسماء المتبرعين، وكان في مقدمتهم حسن بك جمجوم الذي تبرع بألف جنيه، وسعد زغلول وقاسم أمين المستشاران بمحكمة الاستئناف الأهلية، وتبرع كل منهما بمائة جنيه.
غير أن عملية الاكتتاب لم تكن منظمة، فاقترحت المؤيد على مصطفى كامل أن ينظم المشروع، وتقوم لجنة لهذا الغرض تتولى أمره وتشرف عليه من المكتتبين في المشروع، فراقت الفكرة لدى مصطفى كامل، ودعا المكتتبين للاجتماع لبحث هذا الشأن، واختيار اللجنة الأساسية، وانتخاب رئيس لها من كبار المصريين من ذوي الكلمة المسموعة حتى يضمن للمشروع أسباب النجاح والاستقرار.
أول اجتماع للمكتتبين
واجتمع المكتتبون في دار سعد زغلول وكانوا 27 رجلا من أعيان مصر ومن أهل الرأي والفكر فيها، من بينهم قاسم أمين، ومحمد فريد، وعبد العزيز فهمي، وعبد العزيز جاويش وحفني ناصف. وقرر المجتمعون انتخاب لجنة تحضيرية مؤلفة من سعد زغلول وكيلاً للرئيس، وقاسم أمين سكرتيرا للجنة، وحسن بك سعيد وكيل البنك الألماني الشرقي أمينًا للصندوق، وعضوية نفر من المكتتبين، وتأجل انتخاب الرئيس العام للجلسة المقبلة. وقرر المجتمعون نشر الدعوة للمشروع في جميع الصحف المصرية، وأن تسمى هذه الجامعة بالجامعة المصرية.
مضت لجنة المكتتبين في عملها على الرغم مما لاقته من حملات ضد المشروع الطموح، وهجوم كرومر المندوب السامي البريطاني حيث رمى القائمين عليه بالجهل، وشاركت الصحف الأجنبية في هذا الهجوم ووقفت موقفا معاديا للمشروع، وشككت في قدرة القائمين بالمشروع على الخروج به إلى حيز التنفيذ.
ثم عقدت اللجنة جلستها الثانية في (13 من شوال 1324 هـ= 30 من نوفمبر 1906م) للنظر في انتخاب الرئيس واللجنة النهائية للاكتتاب بدلا من تلك اللجنة المؤقتة، وأسفر الاقتراع السري عن اختيار خمسة عشر عضوا لهذه اللجنة للقيام بجميع الأعمال اللازمة لنجاح المشروع. وفي هذه الجلسة قدم سعد زغلول اعتذارا عن مواصلة عمله في اللجنة؛ نظرا لتعيينه ناظرًا للمعارف ووعد بالمساعدة قدر الاستطاعة، ولم يتم اختيار رئيس، ولكن انتخب قاسم أمين نائبا للرئيس ومحمد فريد سكرتيرا، وحسن السيوفي أمينا للصندوق.
اختيار رئيس للجامعة الوليدة
وواصلت لجنة المكتتبين اجتماعاتها بعد خروج سعد زغلول، وقررت إيداع ما تجمع لديها من أموال في البنك الألماني الشرقي؛ لأنه الوحيد الذي قبل مساعدة الجامعة بزيادة العائد على أموالها المودعة لديه، واكتتب بمبلغ أربعين جنيها سنويا لصالح الجامعة، وقررت اللجنة اختيار ثلاثة من أعضائها، وهم: حفني ناصف، وعلي فهمي، ومرقص حنا لتحضير مشروع لائحة تختص بالإجراءات الداخلية للجامعة، واتخاذ مكان دائم للاجتماعات الأسبوعية، وتنشيط عملية الاكتتاب بعد أن هدأت، ولم تعد اللجنة تتلقى أية مبالغ جديدة.
وفي هذه الأثناء كانت اللجنة تؤمن بضرورة رئاسة أمير من أمراء البيت الخديوي حتى يدفع المشروع دفعة قوية، وبعد مباحثات وترشيحات لبعض الأمراء أذن الخديوي عباس حلمي بإسناد الرئاسة الفعلية للأمير أحمد فؤاد في (17 ذي القعدة 1325 هـ= 22 ديسمبر 1907)، وقد صادف اختيار الأمير أحمد فؤاد –الملك فيما بعد– ارتياحًا عامًا، لما عُرف عنه من حب للعلم وتشجيع للمشروعات العلمية.
وواصلت لجنة المكتتبين اجتماعاتها بعد خروج سعد زغلول، وقررت إيداع ما تجمع لديها من أموال في البنك الألماني الشرقي؛ لأنه الوحيد الذي قبل مساعدة الجامعة بزيادة العائد على أموالها المودعة لديه، واكتتب بمبلغ أربعين جنيها سنويا لصالح الجامعة، وقررت اللجنة اختيار ثلاثة من أعضائها، وهم: حفني ناصف، وعلي فهمي، ومرقص حنا لتحضير مشروع لائحة تختص بالإجراءات الداخلية للجامعة، واتخاذ مكان دائم للاجتماعات الأسبوعية، وتنشيط عملية الاكتتاب بعد أن هدأت، ولم تعد اللجنة تتلقى أية مبالغ جديدة.
وفي هذه الأثناء كانت اللجنة تؤمن بضرورة رئاسة أمير من أمراء البيت الخديوي حتى يدفع المشروع دفعة قوية، وبعد مباحثات وترشيحات لبعض الأمراء أذن الخديوي عباس حلمي بإسناد الرئاسة الفعلية للأمير أحمد فؤاد في (17 ذي القعدة 1325 هـ= 22 ديسمبر 1907)، وقد صادف اختيار الأمير أحمد فؤاد –الملك فيما بعد– ارتياحًا عامًا، لما عُرف عنه من حب للعلم وتشجيع للمشروعات العلمية.
المشروع التنفيذي للجامعة
ثم تابعت لجنة الاكتتاب عملها بنشاط بعد تولي الأمير أحمد فؤاد رئاستها، وقررت تأليف لجنة فنية تختص بوضع البرنامج الذي سيبدأ العمل به، وتضمن البرنامج المقترح البدء بعملين، الأول ابتعاث عشرة من الطلاب، خمسة لتلقي العلوم، ومثلهم لتلقي الآداب في الجامعات الأوربية، ليكونوا أساتذة للجامعة في المستقبل.
وأما العمل الآخر فهو برنامج التدريس بالجامعة الوليدة، حيث تقرر تدريس أربعة علوم يُدرّسها أربعة أساتذة يأتون من الخارج، وهذه المواد هي تاريخ التمدن القديم في الشرق، وتاريخ التمدن الإسلامي، وتاريخ الآداب العربية، وتاريخ الآداب الفرنسية والإنجليزية.
وتقرر أن تكون مدة الدراسة في الجامعة ثمانية أشهر من نوفمبر إلى يونيو، وأن يعطى في كل فرع من هذه الفروع أربعون درسا في السنة، وأرجئ تدريس بقية العلوم حتى توفر الإمكانات اللازمة. وتقرر أن تكون لغة التدريس الرسمية هي العربية، إلا إذا دعت الضرورة لتدريس بعض المواد بإحدى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
وتُحدد مدة كل درس بساعة واحدة إلى ساعة وربع، بدءًا من الساعة الخامسة حتى الثامنة بعد الظهر، وقررت اللجنة قبول جميع المتخرجين في المدارس العليا وطلبتها، وكذلك جميع طلبة الأزهر ومدرسة دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي، وجعلت للدخول إلى قاعات الدرس رسما سنويا قدره أربعون قرشا على كل طالب، ومائة قرش على غير الطالب.
افتتاح الجامعة رسميًّا
وعلى الرغم من الصعوبات التي قابلت أعضاء اللجنة وحملات الهجوم التي تعرَّض لها القائمون على المشروع، فقد انتهى مجلس إدارة الجامعة من الاستعدادات والتجهيزات التي سبقت حفل افتتاح الجامعة، وتحدد يوم (27 من ذي القعدة 1326هـ= 21 من ديسمبر 1908م) لهذه المناسبة المهمة، وقد حضر الحفل كبار رجال الدولة والأمراء والأعيان ورجال السلك الدبلوماسي، وشيخ الأزهر، ومفتي الديار المصرية، والمكتتبون، وأعضاء الجمعيات العلمية الذين ساعدوا على خروج الجامعة إلى النور.
وبدأت الجامعة عملها من سراي علي باشا شريف بصفة مؤقتة بعد انتقال مدرسة البوليس منها، وكان عملها في العام الأول مبشرًا بالنجاح بعد أن تجمع لها رأسمال ثابت قدره نحو أربعة عشر ألف جنيه من الاكتتاب والتبرعات والاشتراكات، وبدأت الدراسة بإلقاء محاضرات في تاريخ الحضارة الإسلامية، وتاريخ حضارة الشرق القديم، وأدبيات الجغرافيا والتاريخ وآداب اللغة الإنجليزية والفرنسية.
وكان يحضر دروس الجامعة قطاعات مختلفة من الناس تضم الطلبة والموظفين ورجال القضاء والتجار والعلماء، وغيرهم. ولم يقتصر حضور دروس الجامعة على المصريين فقط، بل تردد عليها طلبة من أجناس مختلفة، ولكن بأعداد قليلة.
وفي العام التالي أدخلت تعديلات وتحسينات في خطة الدراسة، وعني القائمون بإلحاق المرأة بهذا النوع من التعليم، وكن يحضرن دروسًا خاصة بهن، تشمل محاضرات بالفرنسية في التربية والأخلاق ومحاضرات باللغة العربية في تاريخ مصر القديم والحديث، وكان يقوم بتدريس هذه المادة نبوية موسى ناظرة مدرسة المعلمات بالمنصورة، وكانت هناك محاضرات في التدبير المنزلي. وإلى جانب ذلك كانت هناك محاضرات متفرقة في الجامعة تتناول حفظ الصحة والعناية بالأطفال.
وتلا النجاح الذي حققته الجامعة أن ظهرت بواكير الأقسام الجامعية، وكان قسم الآداب هو أول الأقسام ظهورا وتحددت الدروس التي سوف تدرس في قسم الآداب، وحُدد المدرسون الذين سيقومون بالتدريس، واللغة التي تدرس بها، وتم اختيار أربعة من المصريين للتدريس في هذا القسم، وهم: حفني ناصف، والشيخ محمد الخضري، وسلطان محمد أفندي. وثلاثة من إيطاليا، وهم: فلينو، وليتمان، ودميلوني. وواحد من إنجلترا، وآخر من فرنسا.
وكان ذلك القسم هو نواة لكلية الآداب فيما بعد، وتحددت مدة الدراسة في هذا القسم بأربع سنوات يمكن للطالب في نهايتها التقديم للامتحان، ووضعت الجامعة شروطا للالتحاق بهذا القسم بأن يكون الطالب حاصلا على شهادة الدراسة الثانوية المصرية أو ما يعادلها من الشهادات الأجنبية.
جدير بالذكر أن طه حسين أتم دراسته بهذا القسم، وتقدم لامتحان العالمية (الدكتوراه) برسالة عن أبي العلاء المعري. وتوسعت الجامعة الوليدة في إنشاء قسم للعلوم الاجتماعية والاقتصادية، وآخر لقسم الحقوق، واستعانت بأساتذة أكفاء لتدريس هذه المواد ولقيت الجامعة في حياتها الأولى دعمًا ومساندة من الأفراد والمؤسسات، فغذيت مكتبة الجامعة بمئات الكتب من داخل البلاد وخارجها وبخاصة من إيطاليا وإنجلترا والنمسا، كما حصلت الجامعة على أدوات وأجهزة لإنشاء معمل للطبيعة والكيمياء بفضل مساعي الأمير أحمد فؤاد لدى ملك إيطاليا.
وظلت الجامعة بدون بناء خاص بها حتى تبرعت الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل سنة (1333هـ= 1914م) بقطعة أرض وأموال للصرف على إنشاء مبنى للجامعة.
افتتاح كلية الآداب، أكتوبر 1925:
في 19 مايو 1925 كان صدور المرسوم الملكي بإنشاء الجامعة المصرية (جامعة القاهرة) من كليات الآداب والعلوم والطب والحقوق، وقد وقع الاختيار على د. أحمد لطفي السيد رئيسا لها، ولأن ذلك مثل حدثا مهما صدرت مجلة المصور في 30 مايو 1925 وعلى غلافها صورة تضم الأساتذة الذين سيشكلون نواة هذه الجامعة.
يذكر أن جامعة القاهرة هي أقدم الجامعات المصرية والعربية المعاصرة، تأسست كلياتها المختلفة في عهد محمد علي، كـالمهندسخانة (حوالي 1820) والمدرسة الطبية عام 1827، ثم ما لبثتا أن أغلقتا في عهد الخديوي محمد سعيد (حوالي 1850).
وبعد حملة مطالبة شعبية واسعة لإنشاء جامعة حديثة بقيادة مصطفى كامل وغيره تأسست هذه الجامعة في 21 ديسمبر 1908 تحت اسم الجامعة المصرية، على الرغم من معارضة سلطة الاحتلال الإنجليزي بقيادة لورد كرومر،أعيد تسميتها لاحقا فعرفت باسم جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتضم عددا كبيراً من الكليات الجامعية، تقع الجامعة في حي الجيزة غربي القاهرة، وبعض كلياتها تقع في أحياء المنيل والمنيرة و الدقي، ويتخرج منها سنوياً ما يزيد عن المائة ألف طالب.
جامعة حكومية
ومع سنوات الحرب العالمية الأولى (1333 – 1337هـ= 1914–1918م) واجهت الجامعة صعوبات مالية بسب قلة الاكتتاب، وهو ما أدى إلى تراجعها، فأهملت دعوة الأساتذة الغربيين وضعفت عنايتها بالبعثات العلمية؛ فقل عددها، وفي الوقت نفسه لم تعترف الحكومة بشهادات الجامعة واعتبرت مؤسسة ثانوية بجانب المدارس العليا؛ فالدراسة فيها حرة، واللوائح غير دقيقة، ولذلك استمرت المدارس العليا هي التي تستوعب معظم الحاصلين على شهادة الثانوية.
وفي هذه الأثناء فكرت وزارة المعارف في إنشاء جامعة حكومية؛ فألفت لجنة في سنة (1336هـ=1917م) لدراسة المشروع، وكيفية إدماج المدارس العالية التابعة لوزارة المعارف في الجامعة الأهلية.
وتلاقت رغبة وزارة المعارف مع رغبة القائمين على الجامعة الأهلية نظرًا للصعوبات المالية التي تواجهها، فرحبوا بفكرة تسليم الجامعة إلى وزارة المعارف أو تحويلها إلى جامعة حكومية، واتخذ قرار في هذا الشأن في (3 من جمادى الأولى 1342هـ= 12من ديسمبر 1923م)، وبدأت الجامعة الجديدة باسم الجامعة المصرية بميزانية قدرها ثلاثمائة جنيه، ومنحتها الحكومة 90 فدانا لبناء كليات الحقوق والآداب والعلوم والمكتبة ومساكن الطلبة وميادين الألعاب الرياضية، كما منحتها 40 فدانا لكلية الطب ومستشفاها بمنيل الروضة.. وهكذا قامت الجامعة الوليدة من عثرتها لتصبح أعرق جامعات مصر والعالم العربي.!!