عادل نعمان
وقد كنت مضطرا لهذا العنوان حتى أجيب على أحد القراء حين سألنى (أتتجرأ على دين الله يا هذا؟)، وهذا إذا ألحقت أحيانا بسؤال تكون على سبيل الاستخفاف أو الاستهانة أو الامتهان، إلا أنها ليست كبيرة على الذين يتهاونون فى حق الناس دون رد موضوعى أو الالتزام بأدب الحوار، ويبدو أن هناك من القوم من تربى على غير هذا!! يا هذا!! ونحن مجبرون دوما أن نبرئ ساحتنا من تهمة الاجتراء والتعدى على دين الله، ونقسم بأغلظ الأيمان أننا نقيم أركان الدين ولا نهدمه، ومكرهون على الاعتراف بأننا على دين الله محافظون ومسؤولون، لا نبتعد بل نقترب، نصلح رتقا ولا نمزق ثوبا، نطهر جرحا ولا ندنس قرحا، نزيل عكرا ولا نلوث صافيا، هذا تاريخ كل المخلصين والمدافعين عن دين الله الحق الأصيل، وليس المزيفين والوضاعين والمنافقين وسماسرة الأديان.
فهل كان خليفة رسول الله الفاروق العادل عمر مجترئا على دين الله حين أوقف حكما وأبطل نصا وعدل ما كان مائلا؟ وكلها أحكام قطعية الدلالة والثبوت، وقرآن يتلى حتى الآن إلى نهاية العمر، وأذكرك أن عمر لم يكن نبيا بل حاكما، لا يوحى إليه إلا إنه ولى الأمر، قائم على أمور العباد، ويدور مع الناس ومصالحهم وأحكامهم، وجودا فيوفق بين الأحكام والعباد، وعدما فيفصل بينهما بالحق، ولن نكرر على مسامعك أنه أبطل العمل بحد السرقة فى عام الرمادة، وأوقف حكم المؤلفة قلوبهم والخمس فى الغنائم ومتعة الحج والنساء، وعدل فى الطلاق إذا نطق المطلق ثلاثًا أوقعه، لكنى سأقص عليك ما هو آت: (يحكى كما جاء فى مراجع المالكية، نقلا عن عبدالملك بن حبيب فى كتابه «الواضحة»، فقد أورد القاضى سعيد الهوزالى نقلا عن أبى عبدالله بن أبى زمنين فى «منتخب الأحكام» أن الأصل فى شراكة الزوجين قضية عامر بن الحارث وزوجته حبيبة بنت زريق.
وكان عامر بن الحارث يعمل «قصارا»، وهو مبيض الثياب، وذلك بإزالة البقع والدهون وإزالة ما علق بها من اتساخ وغسلها وترتيبها، وكانت زوجته حبيبة بنت زريق تساعده فى هذا العمل يوما بيوم ويدا بيد، واكتسبا معا فى هذا مالا كثيرا، ومات عامر وترك ميراثا استولى عليه إخوة له واقتسموه فيما بينهم، بعد أن أورثوها الربع، فاشتكتهم حبيبة إلى عمر بن الخطاب، وقالت إن هذا المال الموروث من كدها وسعيها هى وزوجها عامر سنوات طوال، فقضى عمر لهما بالشراكة، وأعطاها نصف التركة عن سعيها وكدها، وورثت الربع حقها فى ميراث زوجها من النصف الآخر، وورث الأخوة الباقى، فهل كان عمر الخليفة خارجا عن النص القرآنى مخالفا حكم الله؟ وهل لو عرضت مسألة هذه المرأة على مائة خليفة غيره هل يتجرأ أحدهم ويتخذ هذا القرار؟ وهل من تجاوز كمن امتثل؟ ثم يا هذا، أليست المرأة الآن وغدا شريكا متضامنا فى إدارة الأسرة والإنفاق عليها جيبا بجيب وأجرا بأجر؟.
هذا عن سلطة ولى الأمر المطلقة وهى تتعدى الكثير من الأحكام إذا كان فيها مصلحة ومنفعة للناس، واتفاق وتراضٍ بين الجميع، ومطلب لأصحاب الحاجات، أما عن تفسير «الولد»، فهو لفظ يطلق على المولود (ذكرا كان أو أنثى) حتى فى القرآن.. وتعال معى فى رحاب الآيات الكريمة، فهذه الآية (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ) فماذا كانت تقصد السيدة مريم بالولد؟.. وتعال إلى هذه الآية الواضحة فى المواريث (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ)، ولكم- أيها الرجال- نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن إن لم يكن لهن ولد ذكرًا كان أو أنثى.
أما إذا كان للزوجة المتوفاة ولد ذكر أو أنثى (فالزوج الوريث له الربع مما تركت)، وهذا هو الآية: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْن)، سورة النساء، وللزوجة الربع من ميراث الزوج المتوفى إن لم يكن له ولد ذكر أو أنثى، والآية (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ ولد)، سورة النساء، فإن كان للزوج المتوفى ولد ذكر أو أنثى فللزوجة الثمن من التركة، والآية (فإن كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم)، سورة النساء، وهذه الآية أيضا (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)، سورة النساء، إن مات رجل وليس له ولد «ذكر أو أنثى» وله أخت فلها النصف، (وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)، سورة النساء، وهنا سؤال مهم: كيف يرث الأخ أخته ولها ولد ذكر؟ إذا كان الولد هنا المقصود به ذكر لأن «الذكر يحجب ميراث الأخ»؟.
وتعال معًا إلى آية المواريث ولاحظ الدقة فى التحديد، فى أول الآية فرق بين الذكر والأنثى بوضوح، واقرأ معى إلى الآخر: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَٰحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِد مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ لللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)، لو كان الله يقصد الولد بالذكر فى النصف الأخير من الآية، وهو الحكم الخاص بمشاركة الغير للبنات فى الميراث، كما قال الفقهاء، لجاءت «ذكر» كما جاءت فى أول الآية، إلا أن القصد بالولد ذكر أو أنثى، وهذا ما استقر عليه المذهب الجعفرى وخلاصته: (البنت تحجب الميراث عن العم).
أرجو أن نعيد النظر فى أمر مشاركة الأعمام ميراث البنات «بالتعصيب»، وفقا لما ذهبت إليه هذه التفاسير لمصلحة الأسرة والمجتمع.
(الدولة المدنية هى الحل).
نقلا عن المصرى اليوم