(1894- 1961 )
إعداد/ ماجد كامل
يعتبر المؤرخ الكبير محمد شفيق غربال( 1894- 1961 ) وبحق هو شيخ المؤرخين في مصر أما عن شفيق غربال نفسه ؛ فلقد ولد في 4 يناير 1894 بالاسكندرية ؛ وتلقي تعلميه في مدرسة رأس التين ؛ ثم انتقل الي القاهرة حيث  التحق بمدرسة المعلمين العليا ؛ ثم أوفد إلي إنجلترا لإكمال دراسته  في جامعة ليفربول أثناء فترة الحرب العالمية الأولي . وأشرف علي رسالته للماجستير المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي ( 1889- 1975 )  وكان موضوع الرسالة هو"بداية المسألة المصرية وظهور محمد  علي " ثم عاد إلي مصر حيث عمل مدرسا للتاريخ في  المدارس الثانوية ؛ وفي كلية المعلمين  ؛ وكلية الآداب  ؛ ثم ترقي عميدا للكلية ؛ كما عمل مسشارا فنيا لوزير المعارف ونائبا لوزير الشئون الإجتماعية ؛ وأصبح عضوا في مجمع اللغة العربية ؛ ورأس معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية  ؛ ولقد أسس " الجمعية المصرية للدراسات التاريخية " وأنشأ "متحف الحضارة المصري " وكان ذلك خلال عام 1949 ؛ ومثل مصر في عدة مؤتمرات تاريخية  ؛وأنتخب عضوا بالمجلس التنفيذي لليونسكو خلال الفترة ( 1946- 1950 ) ممثلا للشرق الأوسط .  لعضوية لجنة من 12 مؤرخا من  أبرز مؤرخي   العالم ليكونوا مستشارين لها في شئون تاريخ العالم . ولقد كان عضوا في المجمع العلمي المصري ؛الجمعية الجغرافية ؛ المجلس الأعلي للآثار ؛ عضوا مؤسسا في  مجلس إدارة جمعية الآثار القبطية  ؛ ولقد أختتم حياته بمشروع علمي كبير هو الإشراف علي إخراج أول دائرة معارف عربية صغيرة عرفت بأسم " الموسوعة العربية الميسرة " ؛ ولقد توفي في 19 أكتوبر 1961 عن عمر يناهز 67 عاما تقريبا .

ولقد أثري المؤرخ الكببر المكتبة التاريخية بالعديد والعديد من الكتب و المراجع القيمة ؛ أذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل إليه :-
1- الجنرال يعقوب والفارس لاسكاروس .
2- تكوين مصر عبر العصور ( ولنا عودة تفصيلية إليه بعد الأنتهاء من عرض قائمة مؤلفاته ) .
3- محمد علي  الكبير .
4- من زاوية القاهرة .
5- منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية علي ما هي عليه اليوم .
6- ترجمة كتاب " المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر لكارل بيكر .
7- قام بمراجعة وتقديم كتاب "مصر في العصور القديمة " لابراهيم  نمير ؛ زكي علي ؛ أحمد نجيب هاشم .
8- كتاب التاريخ القديم لتلاميذ السنة الأولي الثانوي بالاشتراك مع ج . إدجار .


والجدير بالذكر أن الدكتور حسام عبد الظاهر الباحث بمركز تحقيق التراث بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية قد قام  بتجمبع تراث العالم الكبير في أربعة مجلدات ضخمة صدرت عن الهيئة .

أما عن كتاب " تكوين مصر " اما عن الكتاب فهو عبارة عن عشرة احاديث اذاعها المؤلف باللغة الانجليزية من دار الاذاعة المصرية وقام بترجمتها الي اللغة العربية بالتعاون مع اخرين ؛

ويتكون الكتاب من عشر فصول هي :-
1-مصر هبة المصريين .
2-الاستمرار والتغيير في تاريخ مصر.
3-الحكومة والمجتمع في مصر .
4-الإنسان والمجتمع في مصر.
5-المدينة والريف في تاريخ مصر .
6-مصر والعهد القديم .
7-مصر والهلينية .
8-مصر والمسيحية .
9-مصر والإسلام .
10-مصر والغرب .

وفي الفصل الأول من الكتاب يرد فيه علي مقولة هيرودت الخاطئة التي يقول فيها أن مصر هبة النيل ؛ ويؤكد أن مصر هبة المصريين فهو  الذي شق الترع  ؛ وهو هنا يتبني نظرية أستاذه "أرنولد توينبي " في " التحدي والاستجابة " .

 وتتوالي فصول الكتاب ففي فصل  بعنوان "الحكومة والمجتمع في مصر"  يتبني المؤلف بحثا وضعه احد اساتذة الحقوق الفرنسيين حول "تطور الحكم واصوله في مصر منذ اقدم عصورها" حيث ميز بين ثلاث مراحل هي :-
1-ظهور حكم الملوك الالهة سواء كان الفراعنة الاصليون او خلفائهم من البطالمة والرومان
2-مرحلة الحكومة يسودها قانون مستمد من الاديان سواء كانت مسيحية او اسلامية وتنتهي هذه المرحلة عند الحملة الفرنسية
3- المرحلة الحالية وفيه يقوم نظم الحكم علي قواعد من العقل البشري .

ويتابع  المؤلف فصول كتابه حتي نصل الي "مصر والمسيحية" فمصر عندما دخلتها المسيحية كانت خليطا من طرازين مختلفين . الطراز الاول هم اليونانيون والطراز الثاني هم اليهود من اصل يوناني وهؤلاء جميعا  تأثروا بالمؤثرات الهلينية في القرون الاولي . ولقد احتوت المسيحية عنصرين جديدين هامين ؛ العنصر الاول هو عقيدة الخلود . والعنصر الثاني هو محبة الانسانية كما تجلت في محبة الفقير والبائس والمسكين والخاطيء والمسيء . وقد لعبت مدرسة الاسكندرية اللاهوتية دورا هاما في شرح العقيدة المسيحية للفلاسفة الوثنين وخصوصا جهود القديس كليمندس السكندري والعلامة اوريجينوس .   

وتنتقل مع المؤلف سريعا الي الفصل الاخير من الكتاب وهو بعنوان "مصر والغرب" فلقد كانت الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 هي اول اتصال مباشر لمصر بالغرب في العصر الحديث ؛ والحملة الفرنسية اصلا كانت نتاج لثلاث ثورات اوربية كبري هي الثورة العلمية ؛ الثورة الصناعية ؛ الثورة الفرنسية ؛ فالثورة العلمية قدمت تفسيرا جديدا للطبيعة والمجتمع ؛ والثورة الصناعية بعثت دوافع جديدة لوضع موارد الارض كلها تحت تصرف الرجل الاوربي ؛ والثورة الفرنسية بعثت وعيا جديدا لمباديء التنظيم القومي ؛ ورغم ان الاحتلال الفرنسي لمصر كان لفترة قصيرة الامد الا ان عواقبه كانت بعيدة الاثر في التاريخ  لانها كانت حافزا قويا لولاة مصر في البدء في تحديث  الدولة . ثم جاء الاحتكاك الثاني للغرب عن طريق الاستعمار البريطاني لمصر ولقد رفع المحتل البريطاني شعارا تكرر كثيرا في كتابات اللورد كرومر وهو "بقدر معلوم" بمعني الحصول علي شيء من الاستقلال شيءمن الولاية العثمانية ونصيب في السودان ونصيب من الرقي الثقافي والحضاري ... الخ وكل ذلك يتم بقدر معلوم  "القدر الذي يمنع الانفجار دون ان يسمح بالازدهار "ثم جاءت ثورة 1919 ثم ثورة 1952 وقيام الجمهورية المصرية . وكان خير وصف وصف به المؤلف وضع الجمهورية الجديدة الوليدة في مصر هي فقرة شهيرة للفيلسوف "بيرك " يقول فيها( لا يجب اعتبارا الدول شيئا افضل من كونها اتفاقا علي المشاركة في المنفعة ؛ بل هي مشاركة في العلوم كافة ؛ومشاركة في الفنون كافة ؛ ومشاركة في الفضائل كافة ؛وفي الكمال كله) وبهذه العبارة ينهي المؤرخ الدكتور محمد شفيق غربال كتابه هذا .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- آرثر جولد شميث الأبن :- قاموس  تراجم مصر الحديثة ؛ ترجمة وتحقيق عبد الوهاب بكر ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 521 ؛  صفحة 517 ؛ 518 .     
   
2- حسام عبد الظاهر :- تراث محمد شفيق غربال ؛ الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية .
3-شكر خاص للأخ الحبيب الدكتور حسام عبد الظاهر الباحث بمركو تحقيق التراث بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية لتفضله بإمدادي ببعض الكتب والمعللومات القيمة عن المؤرخ الكببير ؛ فلقد عكف علي تجميع تراثه في خمسة مجلدات كبري ؛ فله مني جزيل الشكر .