كمال زاخر
١٣ يناير ٢٠٢٢
الحالة المرتبكة التى تكشفها ردود افعال بعض رواد العالم الافتراضى من المسيحيين المصريين ازاء رحيل ابونا مكارى يونان، لم تكن وليدة لحظة، أو انفعال مفاجئ.
نحن نجنى ثمار ما تم زرعه والناس لم تكن نياماً، كانت الساحة تمور بتيارات متعددة، على المستويين العام والكنسى، فى اربعينيات القرن العشرين، وكان لتيار مدارس الأحد مساحة متنامية فى التشكل والتأثير، وحثيثاً حثيثاً صار اهم تيار فى الساحة، ولم تعوزه الجرأة والصراحة وربما العنف فى طرح رؤيته عبر صفحات مجلة مدارس الأحد، فى مرحلة شبه ليبرالية.
لم يكتف شباب هذا التيار بادارة معاركه عبر المقالات، بل ترجمها الى خطوات مدروسة ومخططة لفرض سيطرته على مقاليد الكنيسة، وخلال عقدين كان رموز هذا التيار يجلسون على مقاعد قيادة الكنيسة، وشأنها شأن كل الحركات الفاعلة فى الشأن العام، عندما تنتقل من براح التنظير وشعاراته الطوباوية إلى واقع الحياة والسلطة، تبدا الصراعات، والتى تنتهى غالباً بأن يقفز الجناح الأكثر تشدداً وحنكة ليستأثر بالمشهد ويقصى الأجنحة الأخرى.
ويقع فى مأزق تصفية الحسابات مع من يرى انهم معوقين، ممن كانوا قبلاً من الداعمين ويقفون فى نفس الخندق، لكنهم مازالوا يبدون اعتراضهم على ادارة المشهد. لم يختلف الأمر عما يحدث فى الحركات الثورية حين تنتقل الى دوائر السلطة، ويبدو ان قاعدة ان الثورة تأكل اولادها مازالت صحيحة.
الأزمة الحقيقية هى القاعدة الفكرية المرتبكة التى قامت عليها رؤية الجناح الحاكم، الذى لا تنقصه الثقافة والوعى والإيمان بالاصلاح، كانت قاعدتهم تنطلق من رؤى ذاتية منبتة الصلة بالمصادر الآبائية، وهو أمر يمتد الى اطروحات الأب المؤسس الاستاذ حبيب جرجس، الذى اعتمد على مصادر مختلفة هى جل المتاح وقتها.
ولعل هذا يفسر لنا المواجهات العاتية التى استهدفت تيارات الإحياء الآبائى، فى تنويعة على صراع المثقف والسلطة، وعمق الأزمة حالة التردى العام فى الذهنية العامة، وفقاً لنظرية الأوانى المستطرقة.
اختفى جيل الصراع، وجاءت اجيال تالية لا تملك ادوات وحنكة الأولين، سلطة بلا فكر، تحولت الى سطوة غاشمة، وصراع متهافت يغوص فى المصطلحات دون جوهرها، وقاعدة عريضة تعانى من ضبابية الرؤى واختلاطها.
فماذا عن التيارات الاصلاحية الآنية؟
عندما لاحت فى الأفق مؤشرات أو بدايات ما تعانيه الكنيسة اليوم بادرنا بالكتابة فى مجلة (مدارس الأحد) التى اسسها الرعيل الأول من الخدام، وتولى رئاسة تحريرها الأستاذ نظير جيد حتى عام ١٩٥٤، العام الذى دخل فيه الدير ليبدأ مشوار الرهبنة الذى قاده الى موقع القيادة.
تشهد المجلة العديد من الكتابات التى تنبه لوجود اختلالات ما فى فضاء ادارة الكنيسة، وطرحت رؤي عديدة لمعالجتها، وجاء هذا اتساقاً مع خط المجلة الذى استنه الرعيل الأول، لكن ادارة الكنيسة والتى كانت تتشكل عند قمتها من ذاك الرعيل لم تسترح لأطروحات المجلة واتخذت موقفاً مناؤاً لها انتهى بصدور قرار بابوى يندد بتوجه المجلة ويعلن سحب اعتراف الكنيسة بها (!!) - اغسطس ١٩٩٤ - وتبدأ حملات تشويه عاتية لكل من شارك بالكتابة فيها.
لفت القرار الذى تم نشره فى كل الصحف انتباه الإعلام الاعلام العام، الذى افسح المجال لعديد من كتاب المجلة لنشر مقالاتهم الاصلاحية.
فى تطور لاحق شكلنا مجموعة بحثية فكرية عرفت باسم (التيار العلمانى القبطى) وقصد بالإسم ان المجموعة كلها من ابناء الكنيسة من المدنيين من غير الاكليروس.
قدم التيار العديد من الأبحاث فى محاور الادارة والرهبنة والتعليم، فى فاعلية سنوية استمرت من عام ٢٠٠٦ حتى عام ٢٠١٠، ثم توقفت مع ما حدث فى مصر من تطورات، ثم رحيل قداسة البابا شنودة ٢٠١٢.
والتزمنا بتقديم ما تسفر عنه مؤتمرات العلمانيين السنوية من ابحاث وتوصيات لقداسة البابا شنودة الثالث يداً بيد.
لم يلتفت قداسته لكل ما قدمناه له، وتفاقمت المشاكل والازمات،. فأصدرت بشكل شخصى فى هذا التوقيت كتاب (العلمانيون والكنيسة) تضمن فى أحد فصوله موجزاًولما قدمناه عبر مؤتمرات العلمانيين، مع العديد من الفصول التى تناولت ما يؤرق الكنيسة وقدمنا نسخة منه لقداسته واباء المجمع.
واتصالاً بتوجه طرح الحلول لما تعانيه الكنيسة اصدرت لاحقاً كتابين فى حبرية قداسة البابا تواضروس الثاني:
* كتاب (قراءة فى واقعنا الكنسية) ٢٠١٥
* كتاب (الكنيسة... صراع أم مخاض ميلاد؟)
الكرة فى ملعب الكنيسة... لعل ادارتها تنتبه لما تم طرحه والبناء عليه قبل فوات أوان التصحيح، ولعلها تستوعب أن المفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة.