بقلم مى مجيب مسعد – مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية

 
   العام الدراسى على وشك البدء ،مما يستلزم كل عام إعداد توصيف المقررات الدراسية التى يقوم بتدريسها كل عضو من أعضاء هيئة التدريس. وبطبيعة الحال لا أستثنى حالى عن هذا العمل الذى أشتاق إليه مع مطلع كل عام دراسى. ذهبت لأحد أساتذتى الذين لم ألتقى بهم منذ زمن وتصادف وجوده بالكلية وجاء الحديث عن الكرة المصرية ومهزلة ما أسماه البعض ب"مباراة الموت" لنخرج من الحديث عن المهزلة الكروية إلى الحديث عن "أزمة هوية الزى المصرى"!
 
  وجدت أستاذى متعجبا من وقائع ماقبل مباراة الموت ، ومتفائلا بشدة بأن الأوضاع ستتحسن ، وكانت تبدو على وجهى علامات الدهشة الشديدة من هذا التفاؤل الذى لا أتلمس أيا من مظاهره من وجهة نظرى. فبادرت بسؤاله عما إذا كان متابعا لخبر زيارة محافظ كفرالشيخ لإحدى مستشفيات المحافظة بالجلباب و"الشبشب" ، لأجده مندهشا من علامات الاستنكار المرسومة على وجهى وسائلا "لماذا الدهشة؟؟" المحافظ كان يؤدى صلاة الجمعة ثم ارتأى أن يقوم بزيارة مفاجئة لإحدى المستشفيات ، فما صلة زيه باختصاصات عمله؟؟
 
  انتفضت من فوق مقعدى ،ثم جلست، ثم وقفت ، وسألت: ألم يذهب بصفته الوظيفية أم ذهب بأى صفة؟ قال لى بصفته الوظيفية . قلت إذن هل تستطيع أنت أن تأتى إلى حرم الجامعة مرتديا الجلباب والشبشب على غرار ما فعل سيادته؟ أجابنى ب"لا" . تنفست الصعداء وعاودت الجلوس بعد أن ارتحت لجوابه وبعد أن أقنعت نفسى بأنى أسأت الفهم.
 
  هذا الأستاذ أوقره إلى أقصى حد وأشعر بالفعل بأنه لى بمثابة الأب ، ففعل مثلما يفعل أبى عندما يرانى سهلة الإثارة، يعاود ليثير أعصابى مرة أخرى بكلمة تحمل أكثر من معنى كنوع من أنواع المداعبة ، فقال لى ، وهل لمصر أقدم دولة فى التاريخ زى موروث؟ الزى جزء من الهوية وكل بلد له زى يميزه باستثناء مصر، انظرى إلى المغرب أو تونس أو السودان أو الخليج ،لكل زى خاص  ، وبمجرد أن يذهب المصرى إلى هناك يرتدى الزى المغربى أو السودانى أو الخليجى وسرعان ما يعتاده ويعود به إلى مصر.
 
   لم أشعر بنفسى وقتها سوى إلا وأنا أسمع صوت أسنانى وهى ترتطم ببعضها من شدة الغيظ ،وسارعت بسؤاله :"دكتور الزى المصرى المتميز هو زى الفراعنة فهل ترى أن هذا الزى يمكن أن يرتديه أى من رجال أو نساء أو أطفال هذا العصر؟" قال لى "نعم، ولكن بتطور يواكب العصر".. فالآفة ليست فى محافظ كفر الشيخ أو من يرتدون الجلباب أو يدعون له لكن الآفة فى عدم وجود زى مصرى خاص بالمصريين ومن ثم تيسر تأثرهم بغيرهم سواء من قدم إليهم من محتل أو من قدموا هم إليه لأغراض العمل أو الدراسة أو حتى الهجرة.
 
  وجدتنى -تحت أسر القوة الناعمة والمنطق العقلانى- للحظات معدودة صامتة أسمع وأهز رأسى ،ثم وجدتنى أنتقل أو أنسحب إلى موضوع بعيد كل البعد عن طرحى فى البداية بفضل قوة أستاذى "الناعمة" و"غير الناعمة". فسألت سؤالى الأخير قبل أن أنصرف هل الدكتور سعد الحسينى كان فى خلفيته هذا الخضم من الفراغات الفكرية حول أزمة الهوية والزى المصرى وأراد أن يملأ تلك الفراغات عندما قام بزيارته بصفته الوظيفية؟ أجاب أستاذى ب"نعم" وأجبت أنا بالاستئذان للانصراف والثقة بأن تأويل أى أمر متاح ومطلوب ، ولكن التأويل لأى غرض؟ هذا هو السؤال الأوقع!