( 1749- 1823 )
بقلم/ماجد كامل
عندما نري ملايين البشر وقد شفوا من مرض الجدري اللعين ؛ وعندما نري اختفاء الجديري من العالم كله ؛فلابد أن نتذكر علي الفور جهود الطبيب الإنجليزي إداورد جنر ( 1749- 1823 ) فلقد كان الجديري مرضا مفزعا من قبله وكانت نسبة الوفاة فيه كبيرة جدا ؛أما من قدر له ان ينجوا ويشفي ؛فلقد كان يعيش مشوها في أجزاء عديدة من وجهه وجسده . أما عن جنر نفسه ؛فلقد ولد عام 1749 في مدينة صغيرة تدعي باركلي في إنجلترا ؛ التحق بكلية الطب ؛وتخرج فيها عام 1792 من جامعةة سانت اندروا ليعمل طبيب أرياف . ولقد سمع جنر بحكم عمله وسط الفلاحين أن الإنسان الذي يصاب بجديري الأبقار لا يصاب مرة أخري بجديري الإنسان ؛ولقد سمع ذات مرة فلاحة بسيطة تقول له " أما أنا فلن أصاب بالجدري لأنني أصبت بجدري البقر "
ولقد لاحظ جنر هو ذلك بنفسه ؛ ففكر في الأمر وقال إن كان ذلك صحيحا ؛فأننا عندما نلقح الفلاحين بجديري الأبقار ؛ فإننا نحصنهم من الأصابة بالجديري العادي ؛ ذلك لأن الجسم سوف يكتسب مناعة ؛ وفي مايو 1796 ؛جاءته الفرصة ليجرب بنفسه ؛فلقد زارته فتاة مريضة تشكو من أصابتها بالجدري نتيجة حلبها للأبقار ؛ ففحص جنر يدها بعناية وتركيز شديد ؛فلاحظ وجود بثور مستديرة صفراء اللون ؛ فأستخرج منه كمية قليلة من ذلك السائل الأصفر ؛ حتي جاءه شاب في الثامنة عشر من عمره ؛فحقنه بمادة هذا السائل بعد أن أخذ موافقة من أهله ؛ وأنتظر بضعة أسابيع فلاحظ عدم ظهور أعراض المرض علي الشاب ؛ وبعد فترة حقن نفس هذا الشاب بحقنة شاب مريض بالجدري ؛ ففوجيء بعدم ظهور أعراض هذا المرض علي الشاب بل أكتسب مناعة نتيجة تطعيمه بذلك السائل الأصفر فكتب كتابا عنوانه " البحث في أسباب الإصابة والوقابة من الجديري " ونشره عام 1898 . غير أن الأطباء لم يعترفوا بصحة اكتشافه بل هددوه بفصله وحرمانه من مزاولة مهنة الطب ؛فأخذ علي عاتقه إثبات صحة اكتشافه ؛فأخذ يدور علي جميع العيادات والمستشفيات يحاول إثبات صحة اكتشافه هذا ؛ حتي أقتنع به الأطباء في مستشفي سانت توماس بلندن ؛ وأقتنع به حتي الأطباء المعارضين له .وأقتنع الأطباء في جميع أنحاء العالم باكتشاف لقاح جنر ؛ فقامت الحكومة الانجليزية بتطعيم جميع جنود البحرية به ؛ كذلك فعلت أسبانيا والمكسيك وامريكا ؛لدرجة أن الهنود الحمر ؛ وقد عانوا أشد أنواع المعاناة من هذا المرض اللعين ؛أرسل إليه زعيمهم رسالة قال له فيها " لن ننسي قط أن نعلم أولادنا كيف يخلدوا أسم جنر .. ولا أن يشكروا تلك الروح العظيمة التي منحته هذه الحكمة . اننا نرسل لك مع هذه الرسالة حزاما وعقدا من الصوف تذكارا لتقلنا هديتكم الثمينة .... ونتوسل إلي الله أن يمتعكم في هذا العالم وفي الحياة الآخري أيضا " .
وبالرغم من كل هذه الشهرة وهذا المجد ؛ أستمر إدوارد جنر يمارس عمله في قريته الصغيرة بكل بساطة وتواضع ؛ ورفض كل العروض المقدمة له لكي يعمل في أعظم المستشفيات البريطانية . ولقد سجل في مذكراته وبمنتهي التواضع هذه العبارة الجميلة "إني أحيانا أجد نفسي مشتت الفكر شارد الذهن من شدة فرحي لما أشعر به من أمل في أن أكون الوسيلة التي أراد الله بها أن أنقذ البشرية من أحدي ويلاتها الكبيرة ؛ لدرجة أنني أعتقد في بعض الأحيان أن ذلك أحد أحلام اليقظة " .
