بقلم : الدكتور مجدى شحاته
شهد منتصف القرن الخامس بعد الميلاد،الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية بسبب مجمع خلقيدونيا ( فى تركيا ) وبالتحديد عام 451 م . بعدها اصبحت كنائس الشرق ، تحت قيادة كنيسة الاسكندرية ، وعرفت بالكنائس الارثوذكسية والتى تعنى ( الرأى الحق او الراى المستقيم ) . وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما وسميت بالكنائس الكاثوليكية بمعنى ( الجامعة ). حتى جاء القرن الحادى عشر حيث انفصلت كنائس القسطنطينية واليونانية عن الكنيسة اللاتينية وأصبحت هى الاخرى تعرف بالكنائس الارثوذوكسية .
الكنيسة القبطية الارثوذكسية . كنيسة عريقة عمرها الان اكثر من تسعة عشر قرنا من الزمان تأسست على تعاليم القديس مرقص الرسول ، الذى بشر بالمسيحية فى مصر فى القرن الاول بعد حوالى عشرين عاما من انتهاء بشارة السيد المسيح وصعوده الى السموات . وبالرغم من الاتحاد والاندماج الكامل للاقباط ، فقد استمروا ككيان دينى قوى وكونوا شخصية مسيحية واضحة فى كل ارجاء العالم بالرغم من انفصالهم عن معظم الكنائس برفضهم مجمع خلقدونية كنيستا القبطية تتميز بكونها كنيسة تسليم رسولى وهى كنيسة تقليدية كتابية أبائية . والتسليم الرسولى يعبر عن الطريقة التى فهم بها الآباء معنى الانجيل وتفاصيل العقيدة وقد سلموها لنا كما تسلاموها من ابائهم ومن السيد المسيح ذاته." انه تسليم ليس بحسب انسان " ( غل 1: 11 ) وليس من ابداع بشر " لأننى تسلمت من الرب سلمتكم أيضا " ( 1كو 11 : 23 ) . هذا التعليم الرسولى كان جزء منه كتابة فى الرسائل ، وجزء اخر شفاهى " لان ارجو ان اتى اليكم واتكلم من الفم لكى يكون فرحنا كاملا " ( 2 يو 12 ) وقد اوصى الكتاب المقدس الكنيسة ان تحفظ هذا التسليم ، وتسلمه بامانة وكفاءة للأجيال المتعاقبة . " وما سمعته منى بشهود كثيرين ، اودعه اناس امناء يكونون اكفاء أن يُعلموا آخرين أيضا " ( 2 تى 2 : 2 ) . ان ما لدينا من تسليم رسولى وأبائى قد حافظت عليه كنيستنا القبطية بكل نقاوة وأمانة وسلمته الينا بكل دقة وتقوى كان نتيجة ما بذلته الكنيسة دم وعرق حبا لفاديها وعريسها وحفظا لتراثها وسلامة ايمانها . الكنيسة القبطية العريقة كنيسة كهنوتية ، فنحن نؤمن ان الكهنوت فى العهد الجديد قد تغير من طقس هارون لملكى صادق. ويؤخذ الكهنوت بوضع اليد حيث يحل الروح القدس على الشخص المدعو للكهنوت ويمتلئ من النعمة ومواهب الخدمة . الكنيسة الارثوذكسية كنيسة طقسية تسير وفق طقوس عقائدية منظمة وبدقة " ليكن كل شي بلياقة وبحسب ترتيب " ( 1كو 14 : 40 ) . كنيسة تحب وتحترم وتجل القديسين الذين سبقونا الى السماء لأنهم صاروا لنا كأنوار كاشفة وعلامات مضيئة على الطريق . تؤمن كنيستنا القبطية بسبعة أسرار مقدسة ننال من خلالها نعما ومنحا الهية غير منظورة تحت مادة منظورة بعضها لازمة لجميع المؤمنين من اجل الخلاص .( المعمودية- الميرون-التناول- التوبة والاعتراف ) . كنيسة تؤمن بقيمة الجهاد الروحى والاعمال الصالحة على امتداد العمر " ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا . " ( عب 12 : 1 ) .
هذه كنيستنا القبطية التى حافظت على الايمان المسيحى بدماء شهدائها الابرار وسط ظروف صعبة قاسية ما بين اضطهادات فى العصور القديمة وبين الالحاد والاباحية وانحرافات شاذة فى عصر الانترنت وعالم شرير . ومستمرة بقوة الروح القدس الى المنتهى .
لقد عاشت كنيسة المسيح كنيسة واحدة طوال خمسة قرون من الزمان، تُكرز وتُبشر وتنتشر بطول البلاد وعرضها ... بعدها ابتلينا بالانشقاق الكبير بعد مجمع خلقيدونا ، الانشقاق الذى بطبيعة الحال كان له آثار سلبية كبير على الكرازة وانتشار المسيحية فى العالم . هذا التاثير السلبى فى الكرازة ، اشار اليه نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل الاسقف العام فى الكنيسة القبطية ، فى كتابة ( ليكون الجميع واحد - 2005) تقديم نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب . يدور مفهوم الكتاب حول صلاة السيد المسيح ليلة آلامه قبل الصلب ، وكان عرق وجهه يتساقط كقطرات دم .. وكلام فمه يتصاعد كشعاع نور يعلن قصده، ويكشف عن شهوة قلبه الطاهرنحو شعبه " ليكن الجميع واحد ". كتب الانبا رافائيل : " ان النمط الذى يريده السيد المسيح لوحدة الكنيسة هو النمط الثالوثى .. كيف ان الاعضاء متمايزون دون انفصال .. دون تنافس ، وبحب عميق من قلب طاهر بشدة . كذلك ربط السيد المسيح بين وحدة شعبه وبين قوة الكرازة – ليؤمن العالم انك أرسلتنى - كيف يؤمن العالم بلاهوت الابن ؟ وكيف يؤمن الناس بالثالوث ، وهم يرون المسيحية منشقة والمسيحيين غير متحدين ؟ ان قوة الكرازة والخدمة والعمل الكنسى تكمن فى وحدة الاعضاء . وربط كذلك السيد المسيح بين وحدة الكنيسة والمجد الذى نناله ."
على جانب آخر بالغ الاهمية ، تشير الاحصائيات ان هناك ما يزيد عن 2.4 مليار انسان مسيحى فى العالم بنسبة تبلغ حوالى 33.5% من سكان الارض ، مما يجعل المسيحية أكبر ديانة فى كوكب الارض ، وعقيدة الاغلبية السكانية فى 120 دولة من أصل 190 دولة . وتشير الاحصائيات ايضا ان المسيحية تنمو بمعدل 1.43% سنويا وهى نسبة تفوق قليلا معدل النمو السكانى الذى يبلغ 1.12% . ويعتنق المسيحية حوالى 30 مليون شخص سنويا بمعدل 23 ألف شخص يوميا . هذه ارقام الكرازة فى ظل الانشقاق الكنسى بعد مجمع خلقيدونا والسؤال ... ماذا لو حققنا قصد ورغبة السيد المسيح " ليكن الجميع واحد " ؟ اليس هناك مئات ومئات الملايين من البشر فى حاجة الى الكرازة والدعوة الى الخلاص ؟؟ أليس هناك مئات ومئات الملايين من الملحدين والمرفوضين والماديين والجالسين فى الظلمة وظلال الموت فى حاجة الى الخلاص؟ " وهو كفارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم ايضا " ( 1يو 2: 2 ) نعم .. دم السيد المسيح .. لا يمكن أن يساوى أقل من العالم كله .